آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

التذكير بأن التسامح لغة انسانية

عيسى العيد *

قد تكون فكرة المقال مكررة وقديمة لكن ينبغي التذكير بمثل هذه المواضيع، مع تغير الظروف والأحوال، فقد كان في الماضي الخلافات بين الافراد لكنه اليوم أصبح بين الجماعات، كان الخلاف على أمور بسيطة يسهل معالجتها على المستوى المحلي، لكن اليوم تطور مع تطور الوسائل المستخدمة له، لذلك لابد من التذكير في كل وقت بأن التسامح هي السبيل في كل زمان ومكان.

هناك حقيقة لا نستطيع تجاوزها ألا وهي الاختلافات الطبيعية بين أبناء البشر، حيث لا يخلو مجتمعا من اختلافات بشتى أنواعها، التي ينتج منها الصراعات البينية في المختلفين، كما ان من الصعوبة بناء مجتمع متجانس على نمط واحد.

تحصل الاختلافات في المجتمعات التي تكون فيها تعدد المذاهب الدينية أو القبلية أو العرقية فضلا عن المكون الأسري الكبير.

الصراعات إما من باب المنافسة على أمر ما، أو صراع على استحقاق ذاتي مثل الصراع القبلي او المذهبي او على العرق وغيرها من فئات المجتمعية المختلفة.

في خضم هذه الصراعات تتولد حالتان:

الأولى: هي حالة التعصب الذي ينتج عنه الاحتراب كما هو حاصل بين المذاهب الدينية، وهذا واضح بدون أي تفصيل، لان القنوات الفضائية مسلطة الضوء على ما يحصل في العراق وسوريا من اقتتال ودماء بين المختلفيين، نتيجة التعصب وعدم التفهم بين الجهات لبعضها البعض، لقد شهد العالم دمار شمل الاعمار وصارت معيشة الناس صعبة، وقد تأخرت تلك البلدان عن التقدم والازدهار بسبب الحروب المتتالية كل ذلك على الهوية الدينية.

الحالة الثانية هي ميلاد التسامح الذي يلتبس على كثيرمن الناس وهو الفرق بين التسامح الفردي او غيره من الاختلافات المجتمعية حيث ان التسامح الفردي هو الذي ذكره القران إذ يقول «فمن عفا وأصلح فأجره على الله» حيث يفهم من الآية الكريمة ظلم ما وقع على شخص يطلب منه العفو والصفح والمسامحة.

لكن التسامح بين التوجهات المتعدده والمختلفة هو ما عبر عنه الامام علي: فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الْأَشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لِأَحَد إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ. وَلَوْ كَانَ لِأَحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لِلَّهِ سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ.

وقد حدّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، في بيان صادر عنها عام 1995مفهوم التسامح في اللغة الإنسانية المعاصرة أكثر تفصيلًا ومن ذلك، جاء في معنى التسامح أنه الإحترام والقبول للتنوع الثري لثقافات عالمنا، ذلك أن شعوب العالم تزخر بالتنوع الثقافي فلابد وأن يقبل بعضهم بعضًا، وأن يحترم بعضهم بعضًا، وأن لكل جماعة الحق في أن تمارس دينها وتعبر عن ثقافتها وعن ذاتها الحضارية بالطريقة التي تريدها، وعلى الآخرين أن يحترموا هذا الأمر.

اذا بات لزاما على المختلفين في كل مجتمع ان يسود بينهم حالة من التسامح والحوار لكي يتم التعرف على الاخر، إذ ان الافكار والتوجهات ليست فرضا على احد من احد اخر، فمن حق كل فرد من الناس الاعتقاد بما يهوى، وليس له الحق فرض رأيه على الاخرين.

لذلك ينبغي على المجتمعات المختلفة ممارسة التسامح بينهم لأنه من صميم الانسانية والاخلاقية بعدما رأينا الكوارث وسحق كرامة الانسان في كل مكان نتيجة التعصب والتشدد بين المختلفين.