آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

الاختلاف.. والتجني

محمد أحمد التاروتي *

هناك بون شاسع بين الاختلاف والتجني او الفجور، فالاختلاف ينطلق من مساحات مشروعة، لتبني وجهات نظر مغايرة تماما، عن الاّراء التي ينادي بها الطرف الاخر، الامر الذي يثري الحوار الفكري، ويصوب بعض الأخطاء، مما يؤدي في نهاية المطاف لتفادي الانزلاق، في متاهات يصعب الخروج منها، انطلاقا من ”اختلاف امتي رحمة“، فالتباين في التفكير امر محمود، باعتباره وسيلة للتطور البشري، وكسر الجمود الثقافي، والفكري على اختلافه.

بينما التجني ينطلق من احقاد داخلية، وأمراض شخصية تجاه الطرف الاخر، سواء نتيجة مواقف صحيحة او باطلة، فالبعض يحمل في ذاته حقدا دفينا، يصعب الفكاك منه، بحيث يتجذر بشكل عميق، فيما القلوب الطاهرة تتناسى الأمراض، والاختلافات مع مرور الزمن، بخلاف القلوب المريضة المملوءة حقدا، لا يمكن وصفه على الاطلاق، اذ تحاول - تلك القلوب المريضة - تتبع عثرات الاخرين، في سبيل التقليل من مكانتها الاجتماعية، الامر الذي يتمثل في إطلاق المواقف، او محاولة افتعال معارك وهمية، لاشعال انتصارات مزيفة، سواء في العالم الواقعي، او الفضاء الافتراضي.

التجني او الفجور تجاه الطرف الاخر امر مذموم، باعتباره وسيلة رخيصة، تتنافى مع اخلاقيات الاختلاف، التي تقوم على قواعد ومبادئ ثابتة، اذ يمثل الانصاف وعدم اختلاق الأكاذيب، اهم معاييرها الراسخة، فالشرائع الدينية، والاخلاقيات البشرية، ترفض الصاق التهم الكاذبة، تجاه الطرف الاخر، وبالتالي فان محاولة تحقيق الانتصار، لا يكون بالأساليب الخارجة، عن السياق الأخلاقي، فالمرء باستطاعته تمرير قناعاته الفكرية، بمختلف الوسائل المشروعة، خصوصا وان اللجوء الى المكر، والطعن في الظهر، او الضرب تحت الحزام، أمور تكشف الضعف، والعجز وغياب الحجة القوية، بمعنى اخر، فان المرء الضعيف لا يجد وسيلة، للتقليل من الطرف الاخر، سوى بث الأكاذيب، فيما الانسان القوي يستخدم الطرق المشروعة، في ممارسة حقه بإبداء الرأي، الامر الذي يكسبه الاحترام، والتقدير، والقدرة على نشر الفكر في الوسط الاجتماعي.

انعدام اخلاقيات الاختلاف، يمثل مشكلة قائمة في الكثير من الخلافات الفكرية، على الساحة الثقافية، الامر الذي يقود الى تحولها الى خلافات شخصية، مما يمهد الطريق لبدء معركة بث الأكاذيب، وتبني سياسة التجني والفجور، اذ يحاول احد الأطراف استغلال النفوذ الاجتماعي، او المنابر الإعلامية، في ترويج بعض الشائعات، تجاه الطرف المقابل، مما يفرغ أدب الاختلاف من القواعد الأخلاقية المعروفة، بحيث تبرز على شكل في البداية، على شكل نصائح ”ملغومة“، على قاعدة ابداء النصح، ﴿أني لك من الناصحين ، ﴿و لكن لا تحبون الناصحين، بيد ان الوجه الناصح يتحول بعد فترة، الى وجه عبوس حاقد، خصوصا في حال فشل تكتيك النصح، في تبديل تلك القناعات الفكرية، او عدم القدرة على إثبات صوابية الاّراء، التي ينادي بها، بحيث تنفجر بشكل مفاجئ، على صورة حروب مكشوفة، لتحقيق النصر السريع في الساحة الفكرية، من خلال الأساليب البعيدة عن أدب الاختلاف القائم، على الاحترام المتبادل، والنأي بالنفس، عن التطرق الى القضايا الشخصية، بحيث ينحصر الاختلاف في قضايا محددة، والحيلولة دون اتساع الدائرة، للدخول في متاهات أخرى، تحرف الاختلاف عن الهدف الأساس.

كاتب صحفي