آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

ثقافة العداء

محمد أحمد التاروتي *

العداوة تأخذ أشكالا متعددة، بعضها مرتبط بثوابت عقائدية، والأخرى ناجمة عن خلافات سياسية، وثالثة منطلقة من صراعات شخصية، فكل صنف يأخذ ابعادا متفاوتة في الحقد والكره، حيث تبقى بعض الصراعات ضمن حدود المتعارف من الخصومة، والتباعد الفكري، والجسدي، فيما تتحول العداوة في بعض الأحيان الى حروب اقتصادية خانقة، بغرض اجبار الطرف الاخر على رفع راية الاستسلام، ”حصار قريش لبني هاشم خلال الدعوة الإسلامية في مكة المكرمة“، بينما تصل الخلافات لمرحلة الصراع العسكري وإراقة الدماء، نظرا لإصرار كل طرف على مواقفه، ورفض الالتقاء في منطقة محايدة لحقن الدماء، وإعادة الوئام والمحبة والسلام.

تكريس العداء في البيئة الاجتماعية، ليس سلبيا في المطلق، وغير صحي بالمجمل، فهناك مواقف تتطلب إظهار ”العين الحمراء“ والنفور، تجاه الطرف الاخر لايصال رسالة قوية، بوجود عداء متبادل، ومحاولة ردع العدو من التفكير في الغدر، وعدم الأقدام على توجيه ضربة مفاجئة، بينما تحتاج مواقف أخرى لإظهار السلام، وعدم التوجه للحرب، خصوصا مع وجود رغبة صادقة، للطرف الاخر لطي صفحة الماضي، وفتح صفحة بيضاء قائمة على تناسي الماضي، وعدم الرجوع للوراء، واستذكار الخلافات.

البعض يتحرك لبث روح العداء، في المجتمع دون مقدمات، او وجود بوادر لدى الطرف المقابل لتحرك مماثل، الامر الذي يؤدي لتحمل شريحة واسعة جريرة المواقف العدائية المفاجئة، بحيث ينعكس بصورة على الارباك الحاصل في اتخاذ مواقف موحدة، نظرا لعدم وجود قناعات بمبدئية العداء المفاجئ، اذ يظهر الانقسام الاجتماعي، في المواقف المتباينة، بالمنابر الإعلامية المختلفة، مما يشكل خطورة كبرى في الصمود، حتى النهاية تجاه العدو الجديد.

غياب القواعد الثابتة في تحديد الأعداء، تشكل احدى الإشكالات على مر العصور، اذ تتحول الخلافات الشخصية، لدى أصحاب السلطة، والنفوذ الى صراعات شاملة، بحيث تتخذ أشكالا مختلفة، فمرة على شكل حروب إعلامية، وثانية حروب دينية مقدسة، وثالثة حروب اقتصادية خانقة، مما يمهد الطريق لشن حروب عسكرية، تأكل الأخضر اليابس، حيث يكون البسطاء حطب تلك الصراعات، الامر الذي يسهم في ازهاق عشرات الآلاف من الأرواح.

الغريب في الامر، تحول بعض الصراعات ”المبدئية“ المستمرة، لعدة سنوات بين ليلة وضحاها الى تحالفات قوية، بحيث تسكت الأصوات التي كانت تنادي بضرورة إزالة، تلك الأمم من الوجود انتصارا للحق، وازهاق الباطل، مما يعطي دلالة واضحة على حقيقة تلك الصراعات، فهي لم تكن يوما مرتبطة بمبادئ ثابتة، بقدر ارتباطها بمصالح دنيوية ضيقة، سواء شخصية او سياسية او اقتصادية، فالتاريخ القديم والحديث يتحدث عن صراعات، استمرت لعقود، ولكنها تلاشت كلمح البصر، بمجرد التقارب الشخصي او الاقتصادي، او السياسي بين أصحاب القرار، فالبعض لا يجد حرجا في التحول، من أقصى اليمين الى أقصى الشمال، بمجرد هبوب رياح المصلحة، وفقدان السيطرة على الأمور، بمعنى اخر، فان الضجيج العالي لتكريس العداء، تجاه تجاه تلك المجتمعات، يختفي من المنابر الإعلامية بسرعة البرق، وكأن شيئا لم يكن.. انها لغة المصالح على حساب المبادئ.

كاتب صحفي