آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

ثقافة التحقير

محمد أحمد التاروتي *

احتقار الاخرين مرتبط في بعض الأحيان، بحالة من العظمة لدى أصحابها، وأحيانا أخرى ناجم عن الإحساس بالحقارة، الامر الذي يترجم على هيئة النيل، من مكانة الطرف الاخر معنويا وماديا، بغرض تحقيق غايات ذات علاقة بالذات، فالافتقار للإمكانيات الفكرية، تدفع للجوء للبحث عن مبررات للتشنيع بالمقابل، فتارة بالتشكيك في المكانة الاجتماعية، وأخرى بالفقر، وثالثة بنوعية العناصر التابعة، وغيرها من الحجج الأخرى الساعية، للحط من شخصية المنافس.

التشكيك في الإمكانيات الشخصية، والقدرة على تولي المسؤولية الكاملة، يعد احد الأساليب المعتادة في الحط من المنافس، اذ يعمد الطرف المتضرر من بروز بعض الأطراف المنافسة، لمحاولة إشاعة الشكوك حول تلك الشخصيات، بغرض احداث حالة من النفور، وعدم تقبل افكارها، او مشاريعها، لاسيما وان النجاح سيكون خطيرا على المكانة الاجتماعية، والدينية، التي تحتلها بعض الشخصيات النافذة في المجتمع، مما يفرض اتخاذ موقف متشدد، ومعارض منذ البداية، نظرا لإدراكه بالتداعيات المستقبلية، في حال وجدت الأطراف المنافسة، موطئ قدم في البيئة الاجتماعية، ﴿قَالُوٓاْ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ ۚ قَالَ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُۥ بَسْطَةً فِى ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ ۖ وَٱللَّهُ يُؤْتِى مُلْكَهُۥ مَن يَشَآءُ.

النجاح في تحقير الطرف المنافس، مرتبط بالقدرة على إقناع البيئة الاجتماعية، بمبررات الهجمة الشرسة، خصوصا وانه يلجأ لأساليب رخيصة للغاية، في محاولة وقف تقدم الطرف المقابل في المجتمع، والقدرة على تجاوز كافة الحواجز المنصوبة امامه، مما يدفعه للعلب بجميع الأوراق المشروعة، وغير المشروعة، بغرض الإمساك بالامور وعدم فقدانها، لاسيما وان ابداء بعض المرونة، يمثل خطورة كبرى، بمعنى اخر، فان التراجع خطوة يفتح الطريق امام المزيد من الخطوات، بالتالي فقدان المكانة الاجتماعية، التي يحتلها في المجتمع، بحيث يتخذ مسار ﴿ما نراك اتباعك الا الذين هم أراذلنا.

فشل اُسلوب تحقير المنافس بالعناصر المؤيدة، وذات المكانة الوضيعة في المجتمع، يمثل مدخلنا لانتهاج طريقة لقطع الطريق، لتحقيق المزيد من الاختراق، لذا فان اللوبي المالي يحاول التكاتف، مع اللوبي السياسي او السلطوي، من اجل المحافظة على المصالح المشتركة، خصوصا وان كل طرف لديه مخاوف، ومصالح يتحرك للدفاع عنها بشتى الطرق، الامر الذي يظهر على شكل تحالف ”اقتصادي - سلطوي“، لتشكيل جبهة موحدة للوقوف امام المشروع المنافس، نظرا لقدرته الفائقة بالاستمرار في التقدم وفشل كاف الجهود لتحجيمه، او تضييق الخناق عليه، بحيث يتخذ اُسلوب ﴿قالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتن عظيم.

ثقافة التحقير تعطي نتائج كثيرة، فيما يتعلق بوأد المشاريع الفكرية والاجتماعية، فالبعض لا يجد سوى الركون في زاوية محددة، والتنازل عن معتقداته الفكرية، جراء الحرب الشعواء المصبوبة على رأسه، لاسيما وان قلة الناصر تحدث اثرا عميقا في النفس، الامر الذي ينعكس على الروح المعنوية، فيما يمثل الإصرار ومواصلة الطريق، حتى النهاية الوصفة السحرية، لتجاوز كافة العراقيل التي تعترض الطريق، بمعنى اخر، فان القدرة على الصمود، وعدم الالتفات لمصاعب المعركة المصيرية، عامل حاسم في تحديد الطرف المنتصر، في نهاية الصراع القائم.

كاتب صحفي