الحج... أيام زمان
كان الجد الحاج رضي الشايب - رحمه الله - أحد مرشدي الحج في بلدتنا ”تاروت“، وهو يرافق حملات الحج سنويا لتعليم الحجاج - وخاصة من يحجون لأول مرة - مناسك الحج وأعماله. يبدأ الاستعداد للحج مبكرا بعدة أشهر، وتبدأ بجلسات التوجيه والإرشاد لمن ينوي أداء مناسك الحج.
وعند اقتراب موسم السفر للحج يقوم أهالي الحجاج بدعوة الناس وتقديم الوجبات والعزائم تكريما للحجاج واستعدادا لوداعهم كإعلان عن نيتهم للحج، ثم تجتمع سيارات النقل الكبيرة حيث تخصص الحافلات الصفراء إلى كبار السن والنساء والأطفال وبعض الرجال، أما سيارات ”الكشف“ المكشوفة فيتم وضع كل العفش والأكل والمواد الاستهلاكية التي يحتاجها الحجاج في الطريق، ويركب فيها أيضا القادرين من الرجال.
توديع موكب الحجاج يكون مهيبا حيث يغادر من وسط سوق البلدة في وداع طويل، بسبب طول المسافة وصعوبة السفر واحتمال الضياع والفقدان والموت لهؤلاء الركب. ويهلل الحاضرون بأعلى أصواتهم مودعين الحملات وهي تغادر البلدة متجهة إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
وتغيب مع سفرهم الأخبار والمعلومات، إلى أن تصل الرسائل المكتوبة عبر البريد الخاص بالحجاج، وتوزع إلى الأهالي عند محطة البنزين الوحيدة بالبلدة، وهي رسائل شبه موحدة ومطبوعة سلفا إلا أن الحاج يضيف عليها عبارات السلام الموجهة لأفراد عائلته فردا وفردا. ويكون هذا المشهد من أجمل اللقاءات الاجتماعية حيث يبحث كل واحد عن الرسائل المرسلة من أهله ليطمئن على أخبارهم، وتتداول الأخبار بين أفراد المجتمع عن كل حاج.
وبعد طول انتظار، وعندما تقترب العودة يقف الناس جماعات في استقبال الحافلات القادمة من الحج في مدخل البلدة يهللون ويولولون فرحا بمقدمهم، وما أن تلوح الحافلات مقبلة حتى يتراكض الجميع وخاصة الأطفال ليلحقوا بها إلى أن تقف ويستقبلون ركابها من الحجيج فرحين مسرورين بوصولهم.
تبدأ بعد ذلك مراسم استقبال الحجاج وزيارتهم من قبل المهنئين، ويتخلل هذه الزيارات الاستماع لقصص المغامرات التي واجهوها في سفرهم طوال فترة الحج من ازدحام وقت أداء المناسك، ولقاءات بشخصيات معروفة من مختلف دول العالم، وضياع بعضهم وخاصة النساء في المناسك، ووعورة الطرق التي يمرون بها ومنها عقبة طريق الطائف، وهلم جرا من قصص لا تنتهي.
كانت داء مناسك الحج حدثا استثنائيا كل عام، وفيه من القصص والحوادث والتجارب الشيئ الكثير الذي لا يمل الشباب الصغار من الاستماع اليه من أجدادهم وكبار السن من الحجاج العائدين الذين يتفنون بعرض زيارتهم للديار المقدسة بفرح وسرور وبهجة.