آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

معًا ضد الوطنية المزيفة

أمين محمد الصفار *

قبل خمسة عشر سنة قدمت ورشة عمل أثناء عملي السابق في إحد البنوك المحلية، أثناء الورشة - التي كانت في توقيت غير مناسب الزملاء موظفي الفروع - حاول بعضهم التشويش بإثارة بعض المواضيع خارجة عن موضوع الورشة، كان جُلها يتحدث عن المزايا الوظيفية والخدمات المميزة التي يقدمها بنك منافس - له خصوصيته واعتباره في المنطقة التي أقدم فيها الورشة تحديدا -.

لم أنجح في ضبط إيقاع الورشة إلا بعد خاطبتهم - مازحًا - بأنني أشعر من حديثكم الان أن ولائكم للبنك «المنافس» أكثر من ولائكم للحكومة.

حقق لي هذا التكتيك نتائج إيجابية سريعة وأفضل مما توقعت لضبط القاعة وإكمال ورشة العمل بدون تشويش، واستمرت النتائج الإيجابية لهذه المزحة حتى بعد انتهاء ورشة العمل، بل استمرت لعدد من ورش وزيارات العمل اللاحقة لتلك المنطقة ولسنوات أيضا.

وهذا الأسلوب الذي مارسته لضبط إيقاع الورشة يسمى باللهجة الشعبية في بعض مناطق المملكة بأسلوب المخاجل، وهو يعتمد على مقارنة فعل معين بفعل أخر أفضل واسمى منه واتهام صاحب الفعل الأول علناً بغرض الاحراج بأنه يفضل الفعل الأقل أهمية على الأهم عمداً.

هذا الأسلوب تضخم وأخذ يتوسع من مجرد أسلوب يمارس على مستوى الأفراد داخل العلاقات الإنسانية الاخوية إلى عمل مؤسسي يمارس بأسلوب ممنهج، وأصبحنا نراه في الإعلام ويمارس بشكل موسع في المناوشات الطائفية والمزايدات لإثبات الإدعاءات بالوطنية والولاء للوطن القائم على نفيه عن الآخرين.

لقد كسب أهل منطقتنا السمعة الحسنة في أدائهم لأعمالهم من القريب والبعيد، فترى حتى من يعمل في وظيفة بسيطة في جهاز حكومي معين أو خاص ترى ولاءه يصل حد المبالغة حتى على حساب أسرته وصحته، وهذا المعنى قد لا يستوعبه أو يفهمه الكثير من الناس، فكيف يعقل لمن ديدنه الولاء والانتماء لجهاز الحكومي يعمل فيه ولو كان في وظيفة بسيطة أن يرتقى له من هو دونه للتشيكيك في ولاءه لوطنه!! لماذا يأتي بعضهم من أهل الغفلة ومترفي المرحلة ممن لم يقدم شيء لوطنه سوى أنه اخذ جرعة وطنية زائدة وأخذ يسرف في توزيع الاتهامات وفي نزع الوطنية عن الآخرين بشكل بشع وبلغة بغيضة ويحسب أنه بذلك يحسن عملا!!

أنني أدعو النيابة العامة أن تأخذ بعين الاعتبار أيضا الحالات الشاذة لدى البعض الذي تكاد سلوكياته التي يحسبها أنها من الوطنية وهي عكس ذلك، بل تكاد تخرج صاحبها من الوطنية إلى حد الشرك والعياذ بالله، والتفصيل هنا كثير ومتشعب. كما أدعو الجميع للابتعاد عن تلك الإثارات المذهبية والمزايدات على الوطنية التي يثيرها البعض بين فينة وأخرى للإلتهاء بها وحرفنا عن المسار الصحيح، لأنها ستأخذ - لا سمح الله - إلى المجاهيل والثقوب السوداء بعيدا عن تنمية مجتمعنا وإعمار هذه البلاد العزيزة علينا جميعًا.

أعود للقصة التي بدأت بها لأقدم اعتذاري - علنًا - للزملاء السابقين الذين حضروا - شبه مجبرين - تلك الورشة، والتي نجحت في ضبطها ولكني اعتقد الان أنني استخدمت الأسلوب الخاطئ.