آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 6:00 ص

ثقافة الاقصاء

محمد أحمد التاروتي *

يمتلك البعض قدرة فائقة، في إقصاء الطرف المنافس، حيث يستخدم شتى الأساليب المشروعة، وأحيانا غير المشروعة، لتكريس الصوت الواحد، واسكات الاّراء المخالفة، باعتبارها خطر حقيقي يهدد الاستقرار، ويمهد الطريق امام انتشار الفوضى، وتخريب الامن المجتمعي.

امتلاك السلطة على اختلافها، تمثل المدخل الأساس، في انتهاج سياسة الاقصاء، تجاه الاخر، فالإحساس بالخطر سواء كان حقيقيا، او زائفا يولد شعورا عدوانيا، مما يحدث ردات فعل عنيفة، تترجم على شكل الرفض التام، وإغلاق الاذان امام النصيحة الصادقة، نظرا لوجود قناعات رافضة لمنهج النصح، والصوت الصادق، مما يدفع لاتخاذ موقف عنيف، تجاه الطرف الاخر، ﴿يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحره فماذا تأمرون.

عملية إقصاء الطرف المقابل، تنطلق في الأساس من مخاوف متعددة، بعضها حقيقي والاخر مصطنع، اذ يحاول الطرف القوي تسخير كافة الإمكانيات، لشن حرب شعواء على الطرف المنافس، مما يؤسس لثقافة رافضة لمختلف الأصوات المغايرة، انطلاقا من مقولة ”لا صوت يعلو على صوت المعركة“، بمعنى اخر، فان الأصوات الصادقة الساعية، لتصحيح بعض المسارات الخاطئة، لا تجد آذانا صاغية، بقدر ما تواجه بحرب مضادة، تشكك في أهدافها، وتستبعد النوايا الصادقة، بحيث لا تجد مناصا من السكوت، او التعرض للتنكيل، والأبعاد من الساحة الاجتماعية، بذرائع متعددة تهدف في النهاية تكميم الأفواه.

الاقصاء مرتبط بوجود بيئة قابلة، لإسكات الأصوات الأخرى، اذ لا يمكن السيطرة على الاّراء المغايرة، مع وجود معارضة اجتماعية، داعمة لحرية الانتقاد، واعلاء الصوت، لتصويب بعض المسارات المعوجة، في المجتمع، فالمجتمع القادر على الاستماع لجميع الأصوات، يرفض مبدأ الصوت الواحد، خصوصا وان الصوت الواحد يمثل حالة شاذة، وغير مقبولة على الاطلاق، الامر الذي يفسر تجذر حرية الرأي، في بعض المجتمعات، وغياب هذه الممارسة في مجتمعات أخرى.

المكاسب الشخصية، تمثل احد الأسباب وراء اسكات الأصوات الأخرى، فالبعض يتخوف من شياع ثقافة الانتقاد، انطلاقا من أسباب ذاتية وليست لأسباب جوهرية، نظرا لما تمثله من خطورة هذه النوعية من الثقافة، على استمرارية مصالحه الشخصية، لاسيما وان مبدأ المحاسبة والمراقبة، سيكون حاضرا بقوة، مما يحول دون القدرة على استغلال النفوذ، في تحقيق مكاسب مخالفة للقانون، وبالتالي فان الوقوف بقوة امام الأصوات الأخرى، خطوة استباقية للمحافظة على المكاسب الذاتية، سواء كانت سياسية، او اقتصادية، او اجتماعية.

الإسقاط تعتبر وسيلة شائعة، لدى أصحاب ثقافة الاقصاء، خصوصا وان عملية سحب البساط من تحت اقدام الطرف الاخر، تتطلب مبررات يتم ترويجها للرأي العام، مما يفرض اختلاق بعض التهم تجاه أصحاب الأصوات الأخرى، لأحداث فجوة فاصلة مع البيئة الاجتماعية، وبالتالي محاولة قتل الأصوات المخالفة في مهدها، او الحيلولة دون اتساع دائرتها، الامر الذي يحول دون القدرة على تجاهلها او القضاء عليها، ﴿وقال الكافرون هذا ساحر كذاب و﴿كذلك ما أتى من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر او مجنون.

كاتب صحفي