أقصر الطرق إلى بيت والدي
منذ أن تعلمت قيادة السيارة في التسعينات وأنا أجوب شوارع المنطقة الشرقية إلى أن حفظتها عن ظهر قلب.
ذات يوم، أردت أن أذهب من مقر سكني بالظهران إلى بيت والدي الواقع في حي المحمدية بالدمام، وهي رحلة قمت بها مرات عديدة بطبيعة الحال، رحلة تستغرق قرابة 25 دقيقة. ولأنني أعرف الشوارع والطرق السريعة جيداً، كنت دائماً أسلك طريق الميناء باتجاه الغرب، ثم أسلك طريق الجبيل، إلى أن أدخل المحمدية عبر أحد المنافذ قبل سيهات. كان ذلك هو الطريق الأقصر، أو هكذا ظننت!
في ذلك اليوم، قررت قبل الإنطلاق أن أستفتي خرائط قوقل بداعي الفضول لا أكثر. تفاجأت مما رأيت في الشاشة. فبحسب قوقل، هناك طريق أقصر بخمس دقائق! طريق لم يخطر على بالي أبداً لأنه يمر عبر شوارع تحت الإنشاء وتحويلات. قررت أن أهتدي بهدي «الشيخ قوقل»، وبالفعل وصلت في مدة أقصر بخمس دقائق من المعتاد!
ذكرني هذا الموقف بمقال كتبته سابقاً عن مساجد كثيرة صلّى فيها الناس لسنوات إلى أن اكتشفوا أن القبلة كانت خطأ.
ما أكثر القناعات الخاطئة التي تعشعش في عقولنا لمجرد أننا اعتدناها، فحجبت عنا نور التساؤل والتفكير. هذه القناعات منشأها الرغبة بعدم تحدي ما يُسمّى بالوضع الراهن «status quo»، وهو ما نعبر عنه بالعُرف والقِيَم الاجتماعية القائمة. وعلى مستوى الفرد، هو القناعات والعادات الشخصية.
والحفاظ على قناعات الوضع الراهن ضروري أحياناً. فعلى سبيل المثال، أنت لا تريد أن يفقد المجتمع الأعراف الحسنة والقيم الإجتماعية العالية. وعلى الصعيد الشخصي، من غير الملائم أن تغير عادات جيدة لمجرد أنك ترغب بالتغيير!
ولكن يجب أن نتساءل - من وقت إلى آخر - عن صلاحية وصحّة قناعاتنا. ما ظننته صائباً بالأمس هو ليس بالضرورة صائب اليوم. ونحن إذا أغلقنا باب التساؤل عن صحة القناعات القديمة، فإننا سنفوت على أنفسنا فرصاً هامة في تحسين حياتنا، ولربما سقطنا في فخ التقليد الأعمى ﴿حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا﴾.
الحياة تتغير. في كل يوم هناك تقنيات جديدة، وتجارب مختلفة، وأفكار غير مألوفة. لا تتنازل عن قناعاتك لمجرد الرغبة بالتغيير، ولكن لا تغلق عينك وأذنك وقلبك عن الجديد لمجرد أنه جديد ولأنك تخاف الابتعاد عن المألوف.
فمن يدري، لعل بيت والدك أقرب مما تظن!