العوامية في حضن الوطن
أسدل الستار في العوامية على فصول أزمة أرقت أهالي القطيف لثلاثة أشهر، اختلطت مشاعرهم بين خوف، قلق، توجس، توقع للأسوأ، باتت عادة يومية انتظار عودة الأحباب من مشوار قصير للمسجد أو البقالة، ألفوا منظر وصوت الرصاص المتطاير هنا وهناك، الأطفال الصغار يرقبون الوضع من نوافذ المنازل، تسحبهم الأم ناهرة، وتغلقها خوفا مما لا تحمد عقباه.
العملية الأمنية الحاسمة في العوامية كانت النتيجة الحتمية لما سبقها من أحداث، كانت ضرورة، بعدما استنفدت كل الخيارات الأخرى، كانت الكي كآخر علاج للمرض، مرض الإرهاب، التطرف، حماقة حمل السلاح بوجه الدولة وتهديد كل من يخالف الإرهابيين أو حتى ينصحهم بالحسنى.
عامان سبقا العملية الأمنية استشهد فيهما نحو 17 من رجال الأمن في القطيف وضواحيها وعدد آخر من المدنيين الأبرياء، راحوا ضحية للإرهابين الذين فقدوا إنسانيتهم وباعوا ضمائرهم لشياطين الأنس والجن، صوروا لهم المواجهة المسلحة جهادا مقدسا، نواة جيش المهدي المنتظر، ظنوه السبيل لتطهير ماض لوثته السرقات والاتجار بالسلاح والمخدرات وتعاطيها، مخرج لفشلهم الدراسي والعملي، وللأسف نجحت تلك الأوهام في غسل أدمغتهم وأغراهم جريان المال السهل بين أيديهم، فرفعوا شعارات «هيهات منا الذلة» - وما علموا أن قائلها «قبل 1340 سنة» منهم براء - سفكوا باسم شعارهم الزائف دماء أبرياء يؤدون عملهم، وينتظرون نهايته ليحتضنوا أطفالهم، نفذوا أفعالهم الدنيئة في كل مرة ثم تسللوا عائدين لمخبئهم في حي المسورة، حيث البيوت متراصة والأزقة ضيقه جدا، والحي بأكمله يقع بمنطقه سكنيه مكتظة، زرعوا بها شبكة كاميرات تكشف كل منافذ العوامية مربوطة بغرفة مراقبة، الأمر الذي مكنهم من كشف المداهمات المتكررة للقبض عليهم، واستخدموا أسطح العمارات والمنازل لإطلاق النار على الأمن، دون أدنى اكتراث لحياة ساكنيها أو حياة المارة، فجاء قرار إزالة المسورة وتطويرها، لتدمير وكرهم ومخزن ومصنع أسلحتهم ومتفجراتهم.
جن جنونهم، رفضوا كل صوت للعقل كل مناشدة من وجهاء، مشايخ ومثقفي القطيف لإلقاء السلاح وتسليم أنفسهم وحفظ أرواح أهالي منطقتهم، فكان لا بد من عملية أمنيه مكثفة لاجتثاثهم، ولأن الإرهابيين كانوا يطلقون النار من خارج حي المسورة، توجب إخلاء العوامية، فحياة المدنيين كانت في خطر حقيقي، الإرهابيون راهنوا على بقاء الناس ليستفيدوا من وجودهم في التستر والاختباء، ولكن أهالي العوامية الشرفاء، عرفوا المغزى وفهموا أن خروجهم موقتا من قريتهم سيسهل مهمة الأمن ويعجل بتطهيرها من المجرمين. وكان لتعاون لجنة تواصل مع رجال الأمن دور هام في الإخلاء، وهي اللجنة التي لم يتورع محرضو الإرهاب في الخارج عن التصريح علانية واتهام القائمين عليها بالخيانة، وأن إخراجها للناس جعل «رجال الله» مكشوفي الظهر، وهو اعتراف صريح بأن الإرهابين هم من أطلقوا النار مطلع أغسطس الحالي على عضو لجنة تواصل الحاج محمد إرحيمان فقتلوه برصاصة في العنق، وأصابوا الحاج عبدالستار الشيخ في يده،
وهم من جاهروا وتفاخروا بإطلاق النار على العمال من سائقي معدات الهدم في حي المسورة وأسموهم مرتزقة، فماذا ينتظر بعد كل ذلك، القلة ممن ما زالوا يتعاطفون معهم وتنطلي عليهم شعاراتهم؟ ماذا ينتظرون لنبذهم ولعنهم كما لعنوا الدواعش الذين استهدفوا مساجد شيعية وقتلوا نحو 30 شخصا؟ بل ما الفرق بينهم وبين الدواعش؟ ألا يعتنقون ذات الفكر الإرهابي الدموي؟ ألا يبيحون سفك دم من يخالفهم ويقف بوجه مشروعهم حتى لو كان جارهم؟ أليسوا أدوات تنفذ دورا رسمه محرضوهم وممولوهم؟ ألا ترونهم - بعد كل هذا - والدواعش وجهين لعملة واحدة؟
كل أكاذيبهم سقطت، روجوا لها بعد هزيمتهم المدوية بمقتل واستسلام أغلب المطلوبين، ادعوا أن الدولة شردت أهل العوامية وتركتهم بلا مأوى، قالوا إن هدف العملية إبادة الشيعة وإنها حرب ستمتد لباقي مناطق القطيف، صوروا لوسائل إعلام أن حي المسورة حي سكني مأهول دمر أثناء وجود أهله فيه، ادعوا أنهم حملوا السلاح لانتزاع حقوقهم الضائعة! ولست أعلم أي حقوق تلك التي تسوغ سفك دماء الأبرياء وتعيث خرابا ودمارا في المنطقة، كله خزعبلات تبددت كما يبدد ظهور الشمس السماء الغائمة، لم يصدقهم سوى من أعيت حماقته من يداويها.
أهالي العوامية سيعودون قريبا لبلدة نقية من الدنس، والفضل بعد الله لرجال الأمن ولمن أعانهم من أهالي القطيف والعوامية، وهو تعاون يجب أن يستمر ويتوثق لينعم الجميع بالأمان والاستقرار، وتتحطم خرافة المظلومية، ويبذل الناس طاقتهم في الدراسة والعمل والرياضة والخدمة المجتمعية، فلكل مجتهد نصيب والمنافسة متاحه للجميع، والدولة - بإذن الله - تحتضن بصدرها كل طموح، ناجح، راغب في البذل والعطاء وإفادة نفسه ووطنه.