ثقافة العصبة
الاستعانة بالأصدقاء في قضاء الحاجيات الدنيوية، والاستناد عليهم لمواجهة نكبات الدهر، امر محمود ومحبذ، باعتباره من الأمور الطبيعية، التي درجت عليها البشرية، منذ خلق الله الانسان على وجه البسيطة، فالمرء لا يستطيع قضاء اموره لوحده، او مواجهة مختلف المتطلبات، دون الاستعانة بالآخرين، سواء من المحيط الاسري، او الأصدقاء، او غيرهم، ممن لديهم القدرة على توفير تلك الضروريات الحياتية، والمعيشية، ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا﴾.
يتحرك البعض منذ اللحظة الأولي، لتشكيل فريق يستند اليه في ترجمة تطلعاته، وأهدافه المرسومة في الحياة، فمرة تشكل العصبة على أسس مبدئية، واخلاق فاضلة، حيث يشكل القائد قطب الرحى، في توجيه تلك الجماعة، من خلال رسم خارطة طريق، تكون الأساس في جميع التحركات القادمة، فيما يكون المال المحرك الأساس لتشكيل العصبة في بعض الاحيان، فالمصالح الدنيوية تمثل القاسم المشترك الجامع، لمثل هذه الجماعة في مختلف التحركات، بمعنى اخر، فان الولاء يكون لمن يدفع بغض النظر عن هويته، او الاعمال التي يمارسها، فمثل هذه الأمور لا تقدم وتؤخر، الامر الذي يفسر اقدام البعض على ارتكاب أفظع الجرائم، مقابل الحصول على المال، فالأخلاق ليست موجود في قاموسه على الاطلاق.
العصبة سلاح ذو حدين، فالوجه المشرق والحسن يتخذ مسار تقديم الاعمال الخيرية، او النافعة للمجتمع، بحيث يستفاد من الجماعة، فيما يسهم في تكريس المبادئ الفاضلة، من خلال وضع البرامج القادرة، على بث روح المبادرة في جسد المجتمع، سواء الصغير او الكبير، الامر الذي ينعكس على صورة اعمال خيرية، تثبت اقدامها بقوة في اركان المجتمع، بمعنى اخر، فان العصبة بوجهها المشرق، تمثل ضرورة لخلق حالة من العطاء الدائم، والوقوف امام ثقافة الاتكال وعدم المبالاة.
فيما تشكل العصبة خطورة كبيرة، على البناء الاجتماعي، خصوصا في حال اتخاذها وسيلة لنخر جدار المجتمع، بمختلف أنواع التنكيل، والدسائس في سبيل تحقيق بعض المصالح الشخصية، التي تقاتل بعض الأطراف المستفيدة للوصول اليها، حيث تعمد لتشغيل العصبة القريبة، لأحداث فجوة كبرى في العلاقات الاجتماعية السليمة، اذ تتحرك في الظلام لنشر الفوضى، وعدم الاستقرار لتحقيق الأغراض المرسومة، خصوصا وان هذه النوعية من الشرائح الاجتماعية، تستند الى حائط السلطة، التي تمثلها الأطراف الداعمة لها، الامر الذي يمهد الطريق لاستخدام النفوذ، في سبيل تدمير بعض القواعد الاجتماعية الصلبة، سواء من خلال التشكيك، في مصداقية تلك القناعات، او من خلال ممارسة الرهيب، للتخلي عن تلك القناعات.
الحرص على الاختيار الدقيق للعصبة، خطوة ضرورية لتفادي الوقوف في المحظور، فالهدف ليس جمع اكبر قدر من الأنصار، بقدر صياغة عناصر قادرة، على حمل مشعل الاخلاق الفاضلة، من اجل نشر قيم الخير في المجتمع، ﴿فما آمن معه الا قليل﴾، وبالتالي فان الغرض من تشكيل العصبة، خلق نواة صالحة في المجتمع، عوضا من الجماعات القائمة، على مبدأ المصلحة الدنيوية، ﴿وَقَالُوا لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنبُوعًا﴾.