القراءة عند الصغار.. ومسؤولية المؤلف
الكثيرون يتهمون «هذا الجيل» بقلة القراءة، والانشغال - عوضًا عن ذلك - بالأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي. أقصد هنا الأطفال والمراهقين. لست في صدد الدفاع عن هؤلاء أو اتهامهم بقدر ما أود أن أسلط الضوء على مسؤولية المؤلف تجاه قضية القراءة عند الصغار كعمود مهم في بناء الثقافة ورسم مستقبل مشرق للمجتمع.
أعتقد أن المؤلفين العرب لا يكتبون للصغار بالشكل الكافي والمطلوب!
فالمؤلفون العرب يميلون غالبا إلى الكتابة لنظرائهم. الأكاديميون يكتبون للأكاديميين، والمثقفون للمثقفين، والشرعيون للشرعيين.. وهكذا. ثم يتفق أولئك المؤلفون وقراءهم على لوم صغار السن لعدم اكتراثهم بمئات الأرفف من كتبٍ لم تُكتبْ لهم!
معلوم أن عملية ترويج أي منتج تبدأ بعنصر هام هو ”المستهلك“، حيث يقوم الباحثون - قبل الشروع بتصميم وبناء المنتج - بتحليل حاجة المستهلك بدقة، ومعرفة أفضل السبل التي تجذبه لاقتناء المنتج والاستفادة منه، بل والعودة للاستفادة من منتجات الشركة الأخرى. الأمر ليس خدعة، ولكنه تفانٍ في معرفة أفضل السبل لخدمة المستهلك، وهو ما سينفع الشركة على كل حال.
قياسًا على ذلك، إذا أردنا أن يقرأ الصغار، فإن علينا أن نبذل بعض الجهد في تعلم ما يجذبهم ويشد انتباههم، ونوظف هذه المعرفة في تصميم كتب «نافعة» ولكن «ملائمة» في الوقت ذاته، بحيث لا تكون مقبولة عندهم فحسب، بل مطلوبة ومنتظرة. لا يكفي أن نفترض أن القصص وبعض الصور ستؤدي الغرض. فالصغار أذكياء يميزون بين الجذاب والسخيف. ولكن إذا وقع بين يديهم كتاب تجتمع فيه شروط التشويق والفائدة فإنهم سيلتهمونه طوعًا وبدون إكراه. وسيرحبون بفكرة اكتساب عادة القراءة.
الأمر يتطلب عناية مضاعفة بجوانب فنية مثل التشويق والتصميم والتفاعلية في الطرح. كذلك يجب الابتعاد عن محرمات من قبيل الإطالة والتلقين والتكرار الممل. على المؤلف أن يفهم سيكولوجية القارئ بشكل جيد ويحيك حولها حكايته أو كتابه.
ولفهم البون بين الكتب التي تستهوي الصغار وتلك التي لا تهمهم، فقط قارن بين كتاب ناجح وآخر لم ينجح وسجل ملاحظاتك الفنية وستجد أن عوامل معينة - وغالبا واضحة - هي التي تسببت بالنجاح والفشل.
مهم أن نحث الأبناء على القراءة. مهم - قبل ذلك - أن نوفر لهم ما يناسبهم ويحبون قراءته.