ثقافة الكراهية
زرع الكره في النفوس عملية تراكمية، حيث تبدأ بشكل تدريجي، لتصل الى مرحلة متقدمة، مما يولد الخصام والتنافر التام، سواء الصعيد الفردي او الاجتماعي، اذ تلعب الثقافة البيئية دورا مؤثرا، في تكريس الكراهية تجاه الطرف الاخر، الامر الذي يترجم بشكل واضح على نوعية العلاقات الاجتماعية، والخطاب الإعلامي، وأحيانا الديني بين الأطراف المتباعدة.
من الصعوبة بمكان انتزاع الكراهية، من النفوس البشرية، نظرا لوجود نوازع ذاته تدعو للسيطرة، ومحاولة سلب حقوق الاخرين، بيد ان عملية تقنين النوازع الشريرة ليست صعبة، اذ يمثل القانون أداة والميزان، في اخماد تلك الثقافة السلبية، بمعنى اخر، فان تطبيق النظام يحول دون طغيان الشر على الخير، في التعاملات الخارجية في المجتمع الواحد.
الكراهية تبرز على صور شتى في الممارسات اليومية، فتارة تأخذ أشكالا عنصرية تجاه بعض الأصناف البشرية ”لا فرق بين عربي او أعجمي الا بالتقوى“، وتارة تكون عبر الخطاب التحريضي تجاه الشريك في المجتمع، من خلال استغلال بعض المنابر الإعلامية، ومحاولة الاستفادة من الظرف السياسي، في سبيل تسجيل بعض النقاط على حسب الطرف المقابل، وثالثة تترجم على شكل التهميش، وغياب تكافئ الفرص، لأسباب مختلفة ومتعددة، بيد ان القاسم المشترك بين تلك الممارسات، يكون في نظرة الكراهية، تجاه بعض الأطراف الأخرى.
تشكل الاسرة نواة رئيسية، في تكريس الكراهية في نفوس الأفراد، فالثقافة التي يحملها الوالدان، تنعكس بصورة مباشرة، او غير مباشرة على مجمل تصرفات الأبناء، مع المحيط الاجتماعي سواء القريب او البعيد، بحيث تتخذ أشكالا مختلفة، وأساليب متنوعة، مع كافة أصناف المجتمع، بيد ان الأمور تأخذ منحى مغايرا تماما مع بعض الأطراف، الذين يختلفون مع الاسرة فكريا وثقافيا، الامر الذي يدفع الآباء لزرع الكراهية، في نفوس تجاه تلك الأطراف، سواء بمنطلقات دينية، او مبررات فكرية، وبالتالي فان الاسرة تخلق الارضيّة الأولى، لتكريس ثقافة الكراهية في النفوس، تجاه بعض الشرائح الاجتماعية، سواء داخل المجتمع الواحد، او بعض المجتمعات البشرية الأخرى.
الخطاب السلطوي، يلعب بدوره عنصر فاعل في تحريك النفوس، تجاه بعض المجتمعات الأخرى، اذ يحاول الخطاب السلطوي، تسخير جميع الإمكانيات في سبيل ”شيطنة“ الطرف المقابل، بحيث لا تتورع الماكنة الإعلامية الضخمة التابعة للسلطة، من قلب الحقائق من اجل كسب الرأي العام الداخلي، اذ يمثل زرع الكراهية خطوة ضرورية، في إدامة الشقاق والخلاف، وبالتالي فان السلطة تتحرك في البداية، لاستغلال العامل الديني، في تبرير الإجراءات المتخذة تجاه الطرف الاخر، لاسيما وان العامل الديني، يمثل مدخلا أساسيا في كسب الرأي العام الداخلي، خصوصا وان حصر الخلاف في الإطار السياسي، ليس مضمونا في الحصول على الاجماع الداخلي، مما يفرض الاستعانة بكافة النصوص الدينية، لتحويل للصراع السياسي الى خلاف ديني، وبالتالي فان عملية الكراهية مرهونة، بقدرة السلطة على إدارة الصراع، بشكل احترافي ومدروس، لاسيما وان الخطوات تكون مبرمجة بشكل دقيق، بحيث تبدأ بشكل تدريجي للوصول لمرحلة النفور التام.