آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 9:31 م

عبد الحسين ومد الجسور

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

يُشيع اليوم الفنان الكبير عبد الحسين عبد الرضا إلى مثواه الأخير، في جنازة مهيبة تحمله أيدي الكويتيين جميعهم، وقلوب الناس المحبة للخير والاعتدال والتواصل.

في يوم موته، انبرى أحدهم، وهو أحد نتاج ثقافة القطيعة، للتصدي لطوفان المشاعر التي عَبَرَتْ بحر الكراهية. لم يرق له أن تسقط الجدران الفاصلة، وهو الذي يستمد قوّته من بقائها، فما الذي حدث..؟

يقول الكاتب السعودي الدكتور تركي الحمد: «وفاة عبد الحسين عبد الرضا، كانت نوعا من الاستفتاء على ثقافة الكراهية التي تَبَيّن أنها في حالة انحسار كبير مقارنة بسنوات خلت».

شعر الناس الطبيعيون، الذين عجزت وسائل البرمجة الثقافية عن تشويههم، أنهم طُعنوا في الصميم، لأول مرة كانت ردات الفعل سريعة وقوية، تحرك المثقفون في السعودية ليُسمعوا صوتهم: «نحنُ هنا»، و«هذا الهراء لا يمثلنا»، قالوا في بيان وقعه العشرات، وتداوله الآلاف عبر وسائل التواصل: «نؤكد أن خطاب الكراهية اليوم أصبح محدودا على فئة متوارية منبوذة داخل المجتمع السعودي ولا يمثّلون سوى أنفسهم وأفكارهم».

القانون السعودي أيضاً تحرّك، وأصدرت النيابة العامة تحذيراً بأنها ستتصدى لمثيري الكراهية والانقسام داخل الوسائط الإلكترونية، وأحالت متهمين فعلاً للتحقيق.

هذه قفزة هائلة للأمام، أولاً: في وعي المجتمع الذي يرى في تمزيق المجتمع طائفياً وسيلة لتمزيق البلدان، وتفتيتها وإثارة النزاعات داخلها. وثانياً، في وعي النخبة، وخاصة المثقفين، صوتهم كان مدوياً وشديد الوعي بخطورة التمادي في الانسحاب من المسرح وتركه لطيور الظلام.

الوعي بأن التسعير الطائفي وإطلاق العنان لأبواق الفتنة، والتمادي في ازدراء الآخر، وإهانة مقدساته، وممارسة التمييز بحقه، وقهره، والحط من كرامته، ودفعه نحو الهامش.. كلها تلتقي في طريق الفتنة، التي لا ينجو منها أحد.

خطاب الكراهية ماكر ومراوغ، ولكنه يستمد طاقته من روح استعلائية، استحواذية، وإقصائية، أكثر من كونه مستفيداً من أخطاء الآخرين، أو الخوف منهم، أو الرغبة في الانعزال عنهم. وخطاب الكراهية متعدٍ ومهاجم واقتحامي، وليس سلاحاً دفاعياً كما يُروِج أنصاره، بهذا الخطاب يجري تسويغ كل الارتكابات الجائرة بحق الآخرين. وتحت ظلّ هذا الخطاب يُجّرد المستَهدفون من حقوقهم المدنية والإنسانية.

نجم الكوميديا الساخرة، الذي كانت أعماله جزءا من الذاكرة الشعبية لملايين الناس في الخليج، والذي حول موروثهم الثقافي إلى مادة فنية زاخرة وذات قيمة وجدانية، واستطاع أن يوصل بين الثقافات والعادات والتقاليد والفلكلور لتصبح نوافذ للتواصل والإخاء، وهو كان متيقظاً لدور الفنّ والكوميديا خصوصاً في تقريب الناس من بعضهم، وإيجاد جسور متصلة وتراث إنساني مشترك..

في يوم تشييعه، رثاه الشاعر السعودي جاسم الصحيح:

يا سيفَ ضَحْكَتِنا المسلولَ، نشهرُهُ

ضدَ الرزايا إذا طالت أياديها

نبكي عليكَ فنبكي فيكَ أَنْفُسَنا

فأنتَ أصدقُ مَنْ جَلَى معانيها

تَنَفَسَ الفنَ روحاً؛ ثُمَ فاضَ بها

على الحياة ففَاضَتْ رُوحُهُ فيها

فهل يموتُ؟ وروحُ الفنِ ما برحتْ

تَلقَى بمرآتِهِ أسمى تَجَلِيها