فإن له معيشة ضنكى
عيش الضنك هو النتيجة المترتبة على الإعراض عن ذكر الله تعالى، فلا يغدو للروح الإيمانية وتأثيراتها أي وجود في تفكيره وسلوكياته، بل ينطلق في فضاء الأهواء والآمال والحرص على اقتناء زخارف الدنيا، لينقلب قلبه لموئل عشق وهيام بزينة الحياة من مال وجاه ونزوات يتحصل عليها.
وفي مقابل الضنك هو الحياة الهانئة السعيدة والتي ترتبط بالذاكرين لله تعالى والمنقطعين لطاعته ومناجاته والالتزام بنهج الهدى والاستقامة، فينعمون بالسكينة وراحة البال مهما كانت المصائب والشدائد التي يواجهونها، ففي اللحظات الصعبة التي تعتصر القلوب ترى سيماء الطمأنينة والتفاؤل بادية على محياهم وساكنة في وجدانهم، فلا يبرحون عن الرضا والقناعة، ولا ينفك عنهم الأمل بغد أجمل يستعدون لصنعه ورسم معالمه بما يحملونه من أمل وطموح وعمل.
وقد يتصور البعض أن المعيشة الضنكى هي حالة الفقر والضائقة الاقتصادية وانتشار العوائق التنموية، وهذا بطبيعة الحال مما يتجافى عن حياة الملحدين والكفار والمنافقين، والذين يظهر على الكثير منهم مظاهر الرفاهية والتقدم التقني والثروة المالية والإنمائية، مع بعدهم عن ذكر الله وجحود آلائه وعدم الاعتراف بسير هذا الكون المنظم بيد القدير.
والجواب على ذلك يتضح بأدنى التفاتة لمعنى السعادة والهناء، فالمال والجاه لا يصنعان حياة مستقرة، وذلك أن الوجدان يبقى منشغلا بتحصيل المزيد من الملذات والمنافع، ويصاب المعرض عن ذكر الله تعالى بالخيبة والخسرة إن فاته شيء من حظوظ الدنيا، فهذا حاله مع الماضي الذي يحمل عنده معالم البؤس والحزن على سقطاته وعثراته، وأما بالنسبة لمستقبله فيحمل كل معاني القلق والاضطراب والخوف من المجهول، وتعصف به الهواجس من مواجهة الصعاب التي لا يقوى على تحملها او عبء نتائجها الوخيمة.
هناك فارق بين الحياة السعيدة الحقيقية التي يحظى فيها المؤمن الذاكر لله بالطمأنينة، وما بين حياة الخواء والضياع والدعة، فتلك الثقة بالنفس والاتكال على الله تعالى هي ما يوطن نفس المؤمن على تحمل الصعاب والتفاؤل بالتغيير الإيجابي، وأما من أعرض عن ذكر الله فمهما حصل على الملذات فإنه يبقى خاوي النفس، يعيش القلق من الانتكاس والإفلاس ومواجهة المتاعب، وأقل ابتلاء او شدة يواجهها ينقلب مزاجه نحو التعكر ويعيش السوداوية والتشاؤم، وهذه حقيقة ضنك المعيشة ألا وهو النفس الضعيفة التي سرعان ما تسقط في أتون الإحباط واليأس عند افتقاد عوامل القوة، بينما يستمد المؤمن قوته من الثقة بتدبير الباري.