الأنواع المحلية، في القطيف، تختلف عن غيرها في مناطق أُخرى.
السواد الأعظم من المستهلكين لا يعرفون إلا الأنواع المشهورة.
تم توثيق 15 نوعاً نادر لم يسبق توثيقها من قبل في أي وعاء معلوماتي
اقتصاديات النخلة في القطيف تحديداً مُحبطة للفلّاحين
المهمّ أن أرسم القطيف الخضراء، كما هي، خضراء.
إن تكلفة إنتاج النخلة الواحدة تفوق مردودها النهائي.
في مشروع غير مسبوق من نوعه بمحافظة القطيف، نحى الصحافي حبيب محمود إلى دفع الكثير من وقته في هوايته الكتابة الصحافية بالتعمق في معشوقيه النخل والبحر بين مزارع القطيف، لسنوات حتى تبلورت فكرة مشروع وثائقي ضخم يسعى به لرفع اقتصاد النخلة في محافظة القطيف، ويزيل عن فلاحي المزراع إحباطهم الطويل..
حيث استطاع رصد أكثر من 57 نوع من النخيل من جولاته الصحفية الاستقصائية، ويعمد إلى صقلها مشروعاً وثائقياً قام بإعداده بمشاركة فريق من الخبراء الزراعيين والفوتوغرافيين المحترفين ليصبح موسوعة صورية ذات منهجية علمية وتاريخية، وحتى يلفت بها عناية المهتمين تجارياً في استثمار نوعية هذه النخيل عالية الجودة وخصائصها المميزة محلياً عن غيرها من المناطق.
وتمكن حبيب محمود من جمع فريق مهتم ومتمكن في التوثيق البصري والخروج يومياً بهمة ونشاط برفقة دليل الجولات وخبير الفسيل المهندس الزراعي فتحي عاشور، ويرجع له الفضل في قدح حماس الفريق والالتزام في مواصلة سير هذا العمل الجدير هدفه ومساعيه.
استطاعت ”جهينة الإخبارية“ الإطلاع على تفاصيل هذا العمل وسبر أعماقه في الحوار التالي:..
ما هو مفهوم ندرة النخيل التي رصدتها في القطيف؟
ندرة الأنواع وكثرتها ليس أمراً عاطفياً. كل نوع زراعي يتوفّر أو يندر بشرطي السوق التقليديين: العرض والطلب. نوع ”الخنيزي“ مثلاً توفّر في القطيف حين كان الطلب عليه عابراً للحدود والمحيطات قبل النفط. كان هذا النوع مجموعة سلع في ثمرة واحدة، كان رطباً، وتمراً، وسلوقاً، ودبساً. والسلع الثلاث تُصدَّر إلى بلاد بعيدة. لكن الطلب عليه، اليوم، ليس كذلك. توقف تصديره منذ عقود. وتغيّرت موازين السوق، وحلّت أنواعٌ أُخرى. الخلاصة: كلّ نوع يحتل موقعه من الوفرة بشروط السوق.
ماذا نستفيد من ندرة هذه النخيل، وهل تعني ندرتها انها غير متوافرة في مناطق المملكة؟
حسب فهمي للسؤال أقول: ليس لدينا إحصاءات عن الأنواع الوفيرة والقليلة والنادرة. لكنّ الجولات اليومية قدّمت بعض الإشارات على أن هناك أنواعاً ربما لم تعد موجودة. والأنواع المحلية، في القطيف، تختلف عن الأنواع المحلية في مناطق أُخرى.
كم عدد النخيل النادرة، ومن اين تم اقتناص عددها قبل اكتشافها..؟!
من بين 55 نوعاً وثّقناه، وأعدنا توثيقه، حتى الآن؛ أستطيع القول إن ثلثي هذه الأنواع هي في حكم القليلة والنادرة. وأنا أُشير إلى أنواعٍ جيدة، أمثال: شبيبي، لولو، خصبة حمّام، أم عدق، خصبة عبيدة، مكتوم «مشتوم»، فوفل، فقاح غِنْيَهْ، بدراني، فيراني، عيون بقر، مرزبان، وغيرها. وأغلب الأنواع عثرنا عليها بعد بحث مجهد واتصالات مُضنية ومتشعبة. كما أن هناك 17 نوعاً ما زلنا نبحث عنها في سَيحات النخيل.
هل هي قابلة للاستزراع والعناية؟ هل هي وافرة الانتاج بالرغم من ندرتها؟
بالطبع هي قابلة للاستزراع، خاصة عبر الزراعة النسيجية. وبعضها فيه جودة عالية، ولكن الناس لم يتعرّفوا إليها على نحو تسويقي مناسب. السواد الأعظم من المستهلكين لا يعرفون إلا الأنواع المشهورة.
ماهي ابرز خصائصها؟
لكلّ نخلة شخصيتها الخاصة، تماماً مثل الإنسان. وإذا تحدثنا عن أبرز الخصائص؛ فيجدر بنا فهم معايير أساسية، هي: الجودة، وقت إثمارها، الطلب عليها في السوق.
قلت لي سابقاً أنك ترصد أنواع النخيل من واقع الموسم، كم نوع رصدت لغاية الآن؟
حتى مساء الخميس 10 أغسطس / آب 2017، تمّ توثيق 57 نوعاً من الواقع الميداني. بينها 41 نوعاً سبق توثيقه قبل 66 سنة بواسطة عالم النخيل العراقي عبدالجبار البكر. و16 نوعاً لم يسبق توثيقها من قبل في أي وعاء معلوماتي، ولعلّ بعضها موثّق بأسماء أخرى. وما زلنا نبحث عن 16 نوعاً تاريخياً موثّقاً سابقاً. ونأمل أن نجدها.
كيف تجد الزراعة في القطيف كراصد وموثق، وهل ما هو موجود منها يكفي كازدهار؟ هل وضعها يقال عنه إيجابي؟
الانطباع العام لا يتجه نحو الإيجابية. في أي مكان من العالم؛ إذا لم تدخل الزراعة ضمن حركة الاقتصاد وتحقّق عوائد ملموسة؛ فإنها لن تكون بخير. واقتصاديات النخلة في القطيف تحديداً مُحبطة للفلّاحين، مُلّاكاً ومستأجرين. لدى الفلاحين وأصحاب النخيل شكاوى تخصّ خطوط الإنتاج والتسويق، فضلاً عن الآفات والمعوّقات البيروقراطية. وباختصار؛ يمكن القول إن تكلفة إنتاج النخلة الواحدة تفوق مردودها النهائي.
ماهي علاقة النخيل بالبحر؟ وكيف يكملان بعضهما؟
الإنسان هو سرّ علاقة النخيل بالبحر في هذه الأرض الطيبة منذ عرف واحاتها وشواطئها. وفي القطيف نموذج غير متكرر في المملكة العربية السعودية. هو أنها تجمع العناصر البيئية الثلاثة: البحر والنخيل والصحراء، وسكّانها مسكونون بهذا الخليط البيئي منذ آلاف السنين. لذلك؛ فإن هوية المحافظة تختزل هذه العناصر الثلاثة بشكل واضح. ويمكن سحب التفاصيل الأخرى من هذه المكوّنات.
ماهي الجوانب التي تناولتها في الموسوعة؟ جانب تاريخي أم زراعي، أم روتين المزارع.. ماذا تحديداً؟
حسناً؛ لنسمِّه مشروعاً وثائقياً، لا موسوعة. والمشروع يحاول فهم مزاج الأرض وطبع السماء من خلال الدورة المناخية، وما تفعله هذه الدورة في أرض القطيف، بوصفها نموذجاً طبيعياً عميق الجذور.
فكرة المشروع تحوم حول مزاج الأرض في كل فصل من فصول العام. لكلّ فصلٍ حياته ونشاطه وخصائصه وثماره. لنأخذ فصل ”الربيع“ نموذجاً. نحن ليس لدينا ربيعٌ كما هو مفهوم في السائد. لدينا ”صيف“ هو نفسه صيف أسلافنا عرب قلب الجزيرة العربية. ويرصد المشروع واقع هذا الفصل في حياة الفلّاح بكل ما فيه من خصائص ونشاط وجوائز من الطبيعة. ”صَقاط الكرورو“، ”التوف“، ”الكعك“، ”بارح الفچّهْ“، ”التنبيت“، و”التحدير“.. شهر مايو أيار بصمته وانتظاره.. ثمة تفاصيل كثيرة لا يسع المقام لسردها.. لكنني أزعم أنني قرأتُ فصل الربيع في حياتنا بعيون الفلّاح الآتي من فجر تاريخ النخلة. وعلى النهج ذاته؛ حاولت قراءة سائر الفصول.
لأي فئة توجه الموسوعة؟
المشروع للتاريخ وللوطن. مهمّتي هي حفظ الموروث الزراعي على نحو يليق بالحقيقة الضاربة في جذور التاريخ. لا أعرف أيّ الفئات تقرأني، وأيُّها تشيحُ بوجهها عمّا أكتب. المهمّ أن أرسم القطيف الخضراء، كما هي، خضراء.
كم عدد أفراد الفريق القائم على الرصد معك؟
المشروع شخصي في المقام الأول. لكنني أحصل على دعمٍ معنويٍّ مُشجّع جداً. في مرحلة رصد أنواع النخيل ميدانياً؛ انضمّ إليّ أصدقاء مهتمون. ودورهم في مهمة الرصد بالذات لا يقلُّ عن دور الشركاء. إنهم يفعلون الكثير في هذا الصدد، يُجرون أعمال بحثٍ عبر مصادرهم، يقدّمون معلومات، يوصلونني بمصادر. يرافقونني في الجولات. بدأتُ بصديقٍ خبيرٍ في الفسيل، هو الأخ فتحي عاشور. ثم صرنا فريقاً، يحضر بعضهم ويغيب حسب مشاغله. وإضافة إلى فتحي عاشور؛ هناك: فيصل هجول ”فوتوغرافي“، صبحي جارودي ”شاعر وفوتوغرافي“، محمد الزاير ”أكاديمي ومهتمّ بالشأن البيئي“، محمد الخرّاري ”فوتوغرافي“، محسن الخضراوي ”فوتوغرافي“. ولدينا مجموعة واسعة من المصادر والمهتمون بالشأن الزراعي والفلكلور، علاوة على الفلّاحين الممارسين، وهم كُثر في سيحات المحافظة
متى سترى الموسوعة النور؟ وبأي مرحلة من إعدادها وصلت؟
المشروع كبير، ولن أرضى بأقلّ من كتابٍ ضخمٍ، حديث التحرير والإخراج، غنيّ المادة غزيرها، ومحترم علمياً ومنهجياً. وهذا يعني أنه سوف يكون عالي التكلفة في التصميم والطباعة والنشر. ولا أظنّني قادراً على طباعته ونشره وحدي. والحل في رأيي هو إيجاد شركاء أو داعمين. لا أفكّر في معوقات النشر الآن. سأترك مشكلة عبور النهر إلى وقت وصولي إلى النهر. الأهم الآن هو إنجاز مخطوطة المشروع.
وحتى الآن؛ نحن في مرحلة العمل الميداني فيما يخصّ فصل الصيف. أي رصد حياة الصيف، بخيرات أرض القطيف، نخلاً وأشجاراً. فصل الصيف هو أثرى فصول السنة، وأضخمها في مشروعي، وهو متشعّبٌ جداً. الفصول الأخرى مُنجزة تقريباً، ولا تحتاج إلا إلى شيء من الاستكمالات التحريرية. وإذا أتممنا ذلك؛ فإن النيّة هي إصداره منتصف عام 2018، إذا كتب الله لنا العمر والتوفيق.
التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 3
1
علي
14 / 8 / 2017م - 2:43 م
جهد مشكور،وأي جهد وتعب في أي مجال لتوثيق هوية المنطقه حاضرها وماضيها وخيراتها هو جهد يستحق الثناء ،زادكم الله قوة وصحة وتوفيقا فيما تعملون.. ?
2
ابوعبدالله
[ القطيف ]: 24 / 8 / 2017م - 6:59 ص
عمل جبار ويشكر عليه
3
ام محمد
20 / 10 / 2017م - 4:17 ص
مباذره طيبه.. شكر الله سعيكم
نحن بحاجه الى حفظ هويتنا وخيراتنا
جزاكم الله خيرا