الحج بين الصعوبة واليسر
قال الله تعالى «وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ * لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ»
لا أحد يمكنه القول أن الحج لا يحتاج إلى تعب ومشقة وجهد وإلا لم تكن الإستطاعة الجسدية شرطاً من شروطه
ولا أحد يمكنه أن يترك جزءاً من إجزاء الحج دون أدائها فقط لأنه لا يريد أو لا يرغب في ذلك.
كما أن الحج لا يمكن تأديته في غير مكانه وزمانه مما يستلزم تحمل الزحام في الوقت والزمان دون تأجيل.
ومع هذا هناك صنفان من الحجاج يختلفان في التقييم رغم تشابه الظروف الخارجية والأحكام.
صنف تسأله وهو في وسط الزحام والبسمة تعلوا وجهه ويردد وسط الجموع اللهم ارزقنا العود في قابل
وصنف لا تستطيع الحديث معه إلا بعد أيام ويلزمك أن تتجنب محادثته أو سؤاله عن الحج لان جوابه سيكون منفعلاً متعباً عبارته فيها الكثير من الجهد ليقول متى نخلص الأعمال ونستريح ونقضي عنا هذا الفرض الواجب.
وهنا يتساءل البعض عن هذا التباين رغم توحد المكان والزمان والزحام، ولماذا يُقدِم البعض على الحج بكل طمأنينة وشوق وتكرار، في الوقت الذي يُقدِم البعض الآخر على الحج بخوف وريبة وقلق ويتحول الحج عندهم إلى مشقة لاتطاق.
فقط وباختصار.... الحج يحتاج إلى تهيئة روحية وفهم لكل أجزاءه وغاياته، ومعرفة أن تلك البقعة الطاهرة التي لا تقبل الأجساد بقدر ما تقبل القلوب والأرواح التي تلازمها الملائكة ويكونوا في تلك الأيام ضيوفاً عند اكرم الأكرمين.
يكون الحج ميسراً إذا استشعر الحاج والحاجة مضامينه الروحية وتحولت علاقة الجسد بالمشي والطواف إلى ممارسة روحية يتلذذون دون تململ بالطواف والسعي والدعاء والعبادة دون التدقيق في الوقت ومتاعب الجسد، ويكون حضورهم في صعيد عرفة بشوق التائبين المتعلقين بفضائل تلك البقعة الطاهرة، ويتحسسوا في كل زاوية من زوايا الحج والمشاعر عظمة الرحمة الإلهي التي تنزل عليهم في كل مكان وتراقبهم في كل خطوة.
هذا الشعور هو الذي يحمله الحاج الذي يدعو للعود في قابل وهذا الشعور هو الذي يذيب كل تلك الآلام ويكاد الحاج لايشعر بها وكأنه يتنقل في رحلة سياحية مع الروح.
إذا تسلح الحاج بتك العلاقة الروحية والفهم لمضامينه السامية مدعومة بمعرفة الأحكام والأجزاء وشروط الحج من واجبات ومستحبات.
هنا سيتحول الحج إلى شيء مختلف ويكون الجواب عند السؤال مليء بعبارات الرضى والشوق والدعاء للعود مجدداً ويكون كما يجب أن يكون عليه كل من عزم على الحج واشتاق لتلك البقاع الطاهرة يحمل صفته الحقيقة وهوية الراجعين إلى الله ويكون حجه «حج العاشقين»