معهد طلال مداح للموسيقى
قبل يومين، وتحديداً في 11 أغسطس، مرت الذكرى ال 17 على رحيل ”صوت الأرض“ الفنان السعودي الشهير طلال مداح. ورغم مرور كل هذه السنوات على غياب هذا الرمز الوطني الملهم الذي رحل في الحادي عشر من شهر أغسطس لعام 2000، إلا أن ذكراه مازالت عالقة في قلوب عشاقه وحاضرة بقوة في المشهد الثقافي الوطني، وكأن ”صرخة“ ريشته الذهبية ترفض النسيان والانزواء، ليبقى صاحب ”الحنجرة الذهبية“ عصياً على ”زمان الصمت“ ومردداً بكل ألق وثقة ”إلا أنا“.
ولد طلال مداح في مكة في 5 أغسطس من عام 1940م، وتولى تربيته منذ ولادته زوج خالته علي مداح الذي حمل اسمه طيلة حياته التي امتدت لستة عقود. منذ طفولته المبكرة، عشق طلال مداح الغناء والموسيقى، وبدأ الغناء مبكراً في الحفلات البسيطة التي تُقام في المدرسة أو في الحارات الشعبية.
لم يتردد طلال مداح وهو في مقتبل العمر بترك وظيفته في بريد الطائف ليتفرغ للفن الذي وجد فيه كل حياته وأحلامه وطموحاته، لتبدأ ”مقادير“ هذا المطرب الشاب تأخذه للأضواء والشهرة والمجد. كانت أغنية ”وردك يا زارع الورد“ التي تُعدّ التحفة الغنائية الأبرز في تاريخ الفن السعودي، هي الانطلاقة الأولى والحقيقية لـ ”زرياب الغناء السعودي“، وهو اللقب الذي منحه له موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب.
ثم توالت الأغنيات والنجاحات والإبداعات، ويُصبح ”قيثارة الشرق“ أحد أهم صنّاع الأغنية السعودية، بل والعربية. ولم يكتف طلال مداح بالغناء الذي وضعه في صدارة المطربين العرب، ولكن شهرته الطاغية في التلحين والتأليف الموسيقي توجته على عرش ريادة الأغنية السعودية الحديثة.
لقد أثرى طلال مداح الأغنية العربية بأرشيف غنائي ضخم وفريد، وأصبحت الكثير من أغنياته الشهيرة من كلاسيكيات الغناء العربي، كما شدا ببعضها العديد من المطربين والمطربات على امتداد الوطن العربي. وفي عام 1962 قام ببطولة الفيلم السينمائي الوحيد في مشواره الفني ”شارع الضباب“ مع المطربة صباح، كما قام ببطولة المسلسل التلفزيوني ”الأصيل“ مع لطفي زيني وحسن دردير وشارك فيه الممثل الكبير محسن سرحان.
لم يحظ مطرب سعودي بالإعجاب والإشادة والتقدير من قبل كبار الفنانين والمثقفين العرب، كما حصل لطلال مداح. واقترن اسم هذا الرمز الوطني الملهم بالكثير من الفعاليات والمهرجانات الوطنية، لعل أهمها ”الجنادرية“، وهو المهرجان السعودي الأبرز الذي شهد تألق وتعملق طلال مداح.
في المفتاحة، وبعد خمس دقائق من التصفيق الحاد من ”جمهور طلال“، وقبل أن يُغني ”الله يرد خطاك“ سقط فارس الأغنية السعودية و”خلصت القصة“.
تلك هي حكاية طلال مداح الذي لم ولن يرحل عن الذاكرة الوطنية والوجدان الشعبي، فما قدمه من عطاء وإبداع وفن خلال أكثر من أربعة عقود، لن يبرح سجلات الخلود، مهما طال الزمن.
طلال مداح وكل الأيقونات الوطنية الملهمة التي شكلّت وصاغت مشاعرنا وذائقتنا وفكرنا ووعينا، تستحق التكريم والتقدير والاهتمام من كل الجهات والمستويات.
والفنون بمختلف أشكالها وألوانها، فضاءات ثرية ومساحات واسعة، تُحرّض على الفرح والبهجة والمتعة، وتصنع الجمال والتسامح والذوق، وهي تفاصيل نحتاجها الآن أكثر من أي وقت مضى.
ألا يستحق فنان ملهم كطلال مداح، زرع فينا ”عز الوطن“، وعزف على قلوبنا ”وطني الحبيب“، وألهب مشاعرنا ب ”جتني تقول“ و”أغراب“ و”قصت ضفايرها“، ألا يستحق أن يوضع اسمه على أول معهد سعودي للموسيقى؟.