مواجهة العنصرية عندما تكون ثقافة
أثارت الإساءات اللفظية المسيئة ضد المواطنين الشيعة والتي تم تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرا والمنسوبة لأحد رجال الأمن خلال تمشيط حي المسورة بالعوامية الكثير من السخط والاستياء من قبل الأهالي والشخصيات الثقافية على مستوى الوطن. وجاءت توجيهات سمو أمير المنطقة الشرقية على الموضوع مطالبة ”بمتابعة وملاحقة كل من يسيئ بألفاظ لا تليق وعبارات نابية خارجة عن حدود الذوق العام والعرف الاجتماعي واحالتهم للجهات ذات الاختصاص“، وهو ما أكده أيضا متحدث وزارة الداخلية اللواء منصور التركي بأنه ”ستجري محاسبة من ثبت مسئوليته عن ذلك“.
هذه الإساءات اللفظية والسلوكيات السلبية المستفزة والمهينة تتكرر مع الأسف باستمرار، فبين كل فترة ينتشر مقطعا مسجلا ومصورا لأفراد أو بعض منسوبي مؤسسات رسمية دينية وعسكرية وتعليمية تحتوي على التعريض والإساءة لفئات من المواطنين دون أي اعتبار لتعاليم الدين الاسلامي أو الأنظمة التي هي فوق الجميع. وقد سجلت حوادث شبيهة كثيرة في المدارس وبعض مؤسسات العمل المختلفة تحمل نفس المضامين الفكرية والثقافية.
إنها نتيجة طبيعية لسيادة الآراء والأفكار الأحادية التي لا تقبل بوجود الرأي المختلف ولا تقر بالتنوع في المجتمع، ولا تعترف بآلية الحوار بين الأطراف المتعددة. هذه الثقافة تزرع بذور الفرقة في المجتمع وتساهم في تشظياته لجماعات متباعدة ضمن تصنيفات ضيقة.
من آثار مثل هذه السلوكيات أنها تقدم مادة دسمة لوسائل الإعلام في الخارج للتغني بها واعتبارها ممثلة للموقف الرسمي للدولة، كما أنها تكرس حالة العنصرية وتمزيق المجتمع وتهدد تماسكه ووحدته، وهي بذلك أيضا تنسف كل الجهود الإيجابية والإنسانية التي تقوم بها الجهات المسئولة في معالجة الأزمات بحذر ودراية مراعية الظروف القائمة.
هذه الثقافة العنصرية المقيتة المنتشرة في مجتمعنا بصور مختلفة، تبرز في معظم الأحيان في حالات الخلاف والتعبير عن الذات والاختلاف عن الآخر ليس بما يعبر عن التميز والتقدم وإنما بإبراز حالة العنصرية والطائفية، وهي تعبير عن تغلغل هذه الثقافة السلبية في المجتمع وانتشارها بين شرائح مختلفة بما فيها بعض أفراد الأمن المسئولين عن حماية جميع المواطنين دون استثناء والدفاع عنهم.
هذا التحدي يعتبر من التحديات الكبيرة التي ينبغي الالتفات إليها معالجتها جذريا، ليس من خلال التوجيه العام والتذكير بالمناقبيات وإنما عبر سن تشريعات واضحة تعزز مضامين الوحدة الوطنية وتؤكد الماواة بين جميع فئات ومكونات الوطن، وتحويل ذلك إلى أنظمة وقوانين تطبق بدقة ووضوح. وينبغي الإفصاح عن مجريات التحقيق مع هذه الحالات والأحكام النهائية التي تصدر بحق من تثبت مسئوليته مثلها مثل أي جرم آخر يتم القيام به، حتى يعطي ذلك اطمئنانا للجميع بسيادة القانون على الجميع واحترام تطبيقه.
كما ينبغي أن يلعب المشتغلون في قضايا الحوار والتعليم والثقافة على خلق بيئة ايجابية للتعارف البناء بين فئات المجتمع، والتعريف بها بصورة واضحة وصريحة حتى يقطع الطريق على مثيري النعرات الطائفية والمذهبية ومروجي الأفكار المغلوطة عن الآخرين.