الهيئة الملكية لتطوير منطقة القطيف
تفرض الحاجة احيانا ابتكار الحلول الخلاقة وغير المعتادة، وذلك لتحقيق الأهداف المتوخاة، وكلما ارتفع مستوى الطموح والإنجاز المتوقع كلما زادت الحاجة إلى رفع مستوى الابتكار ومستوى تقنية الحلول.
الهيئة الملكية للجبيل وينبع هي مضرب مثل وأسوة، لا يمكن تجاوزه، فقد أنجز هذا الابتكار أهدافه بإنشاء مدينتين صناعيتين في كل من الجبيل وينبع وفق المواصفات التي تم رسمها له. وأصبحت الهيئة قصة نجاح ومنجزاً يراه ويفتخر به الجميع، هذا المنجز العظيم كان - لدى البعض - خيالًا حينها، وبعضهم لم يستطع أن يراه حتى في الخيال، ولكن هاهو اليوم واقع يراه الجميع.
منطقة القطيف بكل مفرداتها وتاريخها العريق وخيرها العميم، جارت عليها البيروقراطية الإدارية في كل مفاصلها أيما جور، فأصبحت بحاجة إلى عملية تطوير إنقاذية تعيد لها الحيوية والبريق الذي تستحق، كي ترجع القطيف التي كانت والتي ستكون - إن شاء الله - التاج الذي يزين رأس المنطقة الشرقية.
لعله من الغريب على مستوى العالم كله وليس المملكة أن تكون مدينة ساحلية بلا ساحل، أو جزيرة بلا شاطئ، وأن تعيق الإجراءات الإدارية وغيرها تاريخ وحاضر ومستقبل مهنة تشكل في وجدان أهل المنطقة الشيء الكثير كمهنة صيد الأسماك والمحاور، وتحرم الأهالي من كل فائدة مادية ومعنوية، كما من الغريب الاستمرار في تدمير ودفن البيئة البحرية ودفن التراث الملموس وغير الملموس للمدينة.
من الغريب أن تكون البلد التي كانت تاريخياً واحة غناء بنخيلها وماءها بمحاذاة الصحراء الممتدة بكل اتجاه، أن يشاهد أهلها بأم أعينهم وعقولهم كيف تتقلص تلك الرقعة الخضراء ويذهب ماؤها وتساقط نخليها.
من الغريب أن تكون مدينة أثرية قديمة ذات تاريخ عريق بلا متحف وبلا تحديد أو تعريف بهويتها وأثرها ومعالمها التاريخية الضاربة في أعماق تاريخ هذا المنطقة بأسرها. من الغريب أن يتم تغريب وتجهيل سكان المملكة وسكان المنطقة الشرقية تحديدا بتاريخ وتراث هذه المدينة، حتى أصبح أقصى طموح لأهلها هو في أن يعرف الجيل الجديد من أبناءها تاريخها وتاريخ أهلها.
من الغريب أن تنحرف كل مسارات السياحة والتراث وقلب هيئتهما عن المرور بالقطيف، وهي تتوسط الطريق بين الجبيل والدمام والخبر كما تتوسط المسافة بين أكبر شركتين سعوديتين عالميتين أرامكو وسابك بكل ما يعني ذلك.
من الغريب أن تظل هذه المدينة التي رفدت بأبنائها وخيرها هذا البلد في أكثر من مفصل من مفاصل التنمية التي شهدتها المملكة، وهي مازالت تعيش العشوائية في كل مفاصلها. فلا أسواق مركزية ولا رعاية وتنظيم للبنى التحتية ولا تخطيط تنموي. وكأن اجتماع البحر والنخيل التراث في مدينة واحدة ليس هبة من السماء لأهل الأرض.
من الغريب أن تظل هذه المدينة التي لم تبخل لا بتمر ولا بنفط أن تعيش حد الكفاف في المنشأت الاقتصادية والعلمية والصحية فيها، حتى وصل الأمر لتجريد مطار الملك فهد الدولي من اسمها وصله مكاناً عنها وكأنه يعيب المطار هذا الاسم التاريخي العظيم.
السبب الرئيس الواضح في كل هذا الضعف - إن لم يكن الفشل - في الأربعين سنة الماضية هو سوء الإدارة، الإدارة التي لم تتقدم بمشروع أو اقتراح استراتيجي واحد لهذه المدينة المهمة، فلم تتمدد هذه المدينة إلا بتدمير البيئة البحرية والرقعة الخضراء فيها، بل أخذت تتقلص فجأة من الجهات الأخرى. لقد وصفت مدينتي بالمهمة لكن لعل كل تلك الإدارات التي تعاقبت على إدارة مفاصل وأجهزة هذه المدينة لم يكن في مخيالها تصور أن هذه المدينة مهمة ومهمة جدًا.
لقد كان قرار الملك عبدالله بإنشاء صالة أفراح لأهالي القطيف بعد حادثة الحريق القديح الشهيرة قبل أكثر من خمسة عشر سنة - والتي مازال بعض ضحاياها يعانون إلى اليوم - قفزة نوعية على كل البيروقراطية والإجراءات - بما فيها أرامكو - التي كانت تكبل الناس في القطيف عن إقامة صالات الأفراح كما هي في كل مدن المملكة، واليوم تتوارد الأنباء عن النية لتطوير حي المسورة التاريخي، وهو نسخة مكررة من عدة أحياء بطول القطيف وعرضها، هذه الأحياء القديمة والمتهالكة بعضها له قيمة تاريخية ومعنوية ويحتاج للتأهيل والعناية به كأثر تاريخي هام، والبعض الآخر لا يصلح إلا للإزالة.
أن إنشاء الهيئة الملكية لتطوير القطيف سوف يعني فيما يعني الانتقال من مجرد البحث عن حلول لحماية ما تبقى من جمال في القطيف إلى آفاق أوسع في التنمية الشاملة والاضافة والتكامل مع وعلى مستوى المحور الوطني الأوسع. كما أن عملية الاستدراك تبدأ على قاعدة التأهيل الشامل - وليس الموضعي - واستخدام مقومات وعناصر التنمية في المنطقة كي تكون قادرة على الإنتاج والعطاء ذاتياً.