المتغيرات الدولية.. والأزمة السورية
التصريحات الصادرة الأخيرة عن الولايات المتحدة، بالتركيز على محاربة داعش، والجماعات المتطرفة المتواجدة، على الأرض السورية، توحي بتغير كبير لدى البيت الأبيض، بشأن التعاطي مع الملف السوري المشتعل، منذ اكثر من ست سنوات، مما يعزز الاعتقاد بالاقتراب من وجهة نظر الكرملين.
إدارة ترامب، بدأت تتعاطى بنوع من الواقعية، مع الإنجازات التي يحققها الجيش السوري، في العديد من المناطق، وابرزها في الآونة الأخيرة التقدم الكبير في البادية، ودخول الحدود الإدارية لمدينة دير الزُّور، الامر يشكل ورقة سياسية جديدة، في المفاوضات القادمة مع المعارضة، وبالتالي فان الحديث عن ضرورة رحيل بشار الأسد، غير منطقي مع استمرار الانتصارات، التي تسجلها القوات التابعة للاسد، في حربها الضروس، التي تخوضهاعلى اكثر من جبهة، سواء ضد داعش او جبهة النصرة.
التهديد الكبير الذي تمثله داعش، وجبهة النصرة، على المستوى الإقليمي، والعالمي، يشكل ابرز العوامل، التي دفعت واشنطن لمحاولة التقارب، مع الجهود التي تقودها موسكو، في إيقاف زحف تلك الجماعات الإرهابية، لقضم المزيد من الأراضي السورية، فالانخراط المباشر لروسيا في الأزمة السورية، أحدث انقلابا واضحا في ميزان القوى، الامر الذي تمثل في تقهقر الجماعات الإرهابية، بحيث اتخذت وسيلة الدفاع عوضا من مبدأ الهجوم، نتيجة الضربات القوية، التي تعرضت لها بواسطة الطيران الروسي، في اكثر الجبهات التي تسيطر عليها، فالمراقب يلاحظ التحول الواضح في ميزان القوى في المرحلة الراهنة، بخلاف السنوات الثلاث الأولى من عمر الأزمة السورية.
التعويل على احداث اختراق حقيقي في المفاوضات، التي تقودها الأمم المتحدة، لإيجاد حل سياسي للازمة السورية، امر بالغ فيه، خصوصا وان أزمة الثقة بين النظام والمعارضة، ما تزال قائمة، الامر الذي يمثل غياب المفاوضات المباشرة بين أطراف النزاع السياسي، وبالتالي فان عملية تعزيز الثقة بين فرقاء الأزمة السياسية، يتطلب تغييرات كبيرة، لدى الأطراف الدولية الفاعلة في الملف السوري، حيث يمثل تغير الموقف الأمريكي من الأزمة السورية، عامل أساسي في حث أطراف المعارضة، على تقديم بعض التنازلات، للدخول في الحل السياسي، وإغلاق الملف المفتوح منذ ست سنوات.
البيت الأبيض يركز حاليا على محاربة داعش، من اجل استكمال عملية القضاء على التنظيم، الذي يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية، خصوصا وان الهزيمة المدوية، التي مني بها في الموصل، أحدثت انكسارا عسكريا، لهذه الجماعة الإرهابية، الامر الذي تحاول واشنطن استغلاله، عبر تقديم الدعم العسكري والمالي لقوات سوريا الديمقراطية، بهدف إلحاق هزيمة ثانية بالتنظيم الإرهابي، بمعنى اخر، فان الإدارة الامريكية ليست في وارد العمل، على إسقاط بشار الأسد في المرحلة الحالية، نظرا لوجود متغيرات عسكرية، وسياسية كبرى، فقد أفرزت الأشهر الماضية معطيات كثيرة، تدفع الدول المؤثرة في الأزمة السورية، لإعادة تقييم المواقف، بما ينسجم مع التحولات الحاصلة، خصوصا وان المرحلة السياسية الحالية، مختلفة تماما عن السنوات الماضية، مما يفرض التعاطي بشكل مختلف، ومحاولة التأقلم مع المستجدات الحاصلة، على المستوى الإقليمي والعالمي.