أعيدوا النظر في ضوابط زواج القاصرات
يجب إعادة النظر فيه لأن الزواج في أصله هو ميثاق غليظ يستلزم الدوام ولا يتحمل تقويض المؤسسة، وبالتالي فتحميل المسؤولية في إنشاء أسرة لا يقوم بإجراء خبرة جسدية
على الرغم من الضوابط التي أصدرتها وزارة العدل فيما يرتبط بتقنين زواج القاصرات، إلا أنها ستبقي الأبواب مشرعة لإمكانية حدوثه، وهنا أذكر أهم الأسباب:
أولا: شملت أهم الضوابط التشريعية تحديد سن القاصرات اللاتي يدخلن في مفهوم الزواج من هن في سن ال17 عامًا وما دون. وهذا في الواقع يتناقض مع الأنظمة المحلية والدولية التي حددت القاصر في سن ال18، وقد نص نظام حماية الطفل في المادة الأولى فقرة 1 بأن الطفل هو كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة من عمره، وكذلك عرفت الاتفاقات الدولية لحقوق الطفل التي صادقت عليها المملكة الطفل بأنه هو كل إنسان لم يتجاوز سن 18 سنة ولم يبلغ سن الرشد. ونحن نعلم بأن أي دولة طرف صادقت على أي اتفاقية دولية فيجب أن تكون التشريعات المحلية جزءا لا يتجزأ من الاتفاقية، بمعنى أن مفهوم القاصر تشريعيا هو الذي لم يبلغ سن 18 سنة وليس 17 سنة. ما يثير السؤال هنا هو: لماذا هذا التناقض في التشريعات؟! ثانيا: الاستثناءات والضوابط يجب أن تكون محددة بفئة عمرية وليس بإطلاقها مفتوحة، وهذا ما تؤكده كل الدول المتقدمة في تشريع زواج القاصرات كألمانيا مثلا، إذ ينص القانون الألماني بحظر زواج القصر لمن يقل عمره عن 18 عاما ذكرا كان أم أنثى «ولاحظوا هنا»، أما الاستثناء الوحيد لهذه الفئة العمرية هو في الأزواج فقط الذين هم في ال 16 وال 17 من العمر، فإن عقد زواجهم يعتبر باطلا بشرط الحصول على موافقة المحكمة الأسرية وغير ذلك فلا يوجد أي استثناءات. أما عندنا فإن الضوابط للأسف مفتوحة من 17 سنة وربما حتى 9 سنوات! ثالثا: من ضمن الضوابط الصادرة أنه يعتبر استماع القاضي للفتاة أو لوالدة الفتاة أو وليها الشرعي شرطا في التزويج، وهو إجراء يؤكد أن الفتاة القاصر ما زال محجور عليها، ورضاها على الزواج يظل معلقا إلى حين موافقة الولي الشرعي أو والدتها، وهذا الشرط ليس ضابطا لزواج القاصر بل هو إجبار بطريقة أخرى، بل أكثر من ذلك وحتى رضاها لا يعد كافيا، فأي أسرة يمكن أن تؤسسها هذه الفتاة القاصر وهي غير مكتملة الأهلية. رابعا: شملت الضوابط كذلك تمكين القاضي بإحالة الفتاة للمختصين، لإثبات أهليتها الطبية من خلال الحصول على تقارير معتمدة، من أخصائية نساء وولادة، وأخصائية أطفال، وهنا نجد أنّ المشرع وهو يمنح إمكانية تزويج الفتاة القاصر كان يشك في سلامة هذه الإمكانية، لذلك جعل التقارير الطبية دليلا قد يتبعه القاضي للوقوف على الجانب الجسماني للفتاة، هذا الضابط في الواقع يجعل من فلسلفة زواج القاصر فلسفة تعتمد على قابليتها الجسمانية لممارسات الزواج والإنجاب، وهذا في نظري يجب إعادة النظر فيه لأن الزواج في أصله هو ميثاق غليظ يستلزم الدوام ولا يتحمل تقويض المؤسسة، وبالتالي فتحميل المسؤولية في إنشاء أسرة لا يقوم بإجراء خبرة جسدية، بل معرفة قيمة الزواج هي الأساس لذلك.
أخيرا أقول كل ما طرحته من تساؤلات قانونية يتعين على أصحاب القرار إعادة النظر فيه للتصحيح والتقويم نحو مؤسسة أسرية سليمة ومستمرة خالية من التعديات على حقوق الفتيات الصغيرات.