ثقافة الهوامش
اكتشاف نوعية الاهتمامات مسألة مهمة، فالوقوف على المشتركات، تحدد مسار العلاقة الإنسانية والفكرية، في المجتمعات البشرية، لاسيما وان الاختلافات الثقافية والاجتماعية، تشكل عائقا في التلاقي، والانخراط ضمن مشاريع موحدة، سواء كانت تنويرية او دنيويةا، ”الصديق قبل الطريق“، اذ لا يمكن السير قدما في مختلف المشاريع، دون الاستناد على قواسم مشتركة، بهدف وضع خارطة طريق لتجاوز الإشكالات، التي تبرز خلال مرحلة التطبيق على الأرض.
التفكير الهامشي مرض عضال، يصيب جسم المجتمع بالهزال، وعدم القدرة على الاختيار الصائب، حيث يتحرك أصحاب التفكير السطحي، خارج مسار التطور البشري، وأحيانا بعيد عن الحركة الطبيعية السائدة، الامر الذي ينعكس على تخبط، وضياع كامل، والاعتماد على الاخر، دون القدرة على تقديم خدمات جليلة للجنس البشري، لاسيما وان العقل يمثل النعمة الكبرى، التي وهبها الله للإنسان، وبالتالي فان تعطيل هذه النعمة، من خلال البحث في قضايا لا تسمن ولا تغني من جوع، بمثابة ”كفر“ بأحد اهم العطايا الإلهية، التي اختص بها الانسان، عن غيره من المخلوقات الأخرى.
الأهداف الاستراتيجية، والمشاريع الكبرى، تتطلب وجود عقليات، ذات آفاق واسعة، قادرة على التخطيط المستقبلي، واختيار الأدوات المناسبة، لإخراج تلك المشاريع بالصورة المطلوبة، وبالتالي فان الفريق المؤهل يمثل الخطوة الأساس، قبل الشروع في تنفيذ الأفكار على ارض الواقع، فالإخفاق في إسناد المهمات للكوادر المطلوبة، يصيب المشاريع بمقتل، مما يستدعي احتساب الخطوات بدقة متناهية.
الفشل الذريع الذي يصيب، بعض المشاريع الاجتماعية، والفكرية، مرتبط بنوعية التفكير المصاحب، لمراحل التخطيط الأولى، وكذلك نتيجة الافتقار الى الكوادر، ذات الهمة العالية، والنظرة الثاقبة للامور، فضلا عن انعدام الجدية المطلوبة، وسيطرة النظرة السطحية والهامشية، الامر الذي ينعكس في نهاية على نوعية المخرجات، فكلما اتسمت القيادات بالقدرة على التفكير المسؤول، والابتعاد عن الأمور البسيطة، كلما جاءت النتائج بالمستوى المأمول، خصوصا وان المشاريع على اختلافها مرتبط بالشخصيات، التي تشرف عليها، فهناك مشاريع استراتيجية تفشل في البروز للعلن، نتيجة غياب العناصر القادرة، على إخراجها بالصورة المطلوبة.
التفكير السطحي مرض، يصيب شريحة واسعة، من المجتمعات البشرية، نتيجة انعدام الثقافة المسؤولة، والقادرة على تكريس أمهات القضايا، في التفكير الجمعي، ورفض الاهتمام بالامور الصغيرة والهامشية، اذ يمثل المجتمع البيئة الخصبة، لنمو التفكير الاستراتيجي، او سيطرة النظرة السطحية، الامر الذي يفسر تزايد الاهتمامات العلمية في بعض المجتمعات، وانعدامها في مجتمعات بشرية أخرى، اذ تلعب الثقافة القائمة على تحمل المسؤولية، دورا أساسيا في عملية تشكيل العقلية الفردية في المجتمع، فالانسان الذي يشعر بثقل المسؤولية، الملقاة على عاتقها تجاه البيئة الاجتماعية، يتحرك ذاتيا باتجاه، البحث عن مفاتيح قادرة على فتح الأبواب المغلقة، لبعض القضايا المركزية، والتغاضي عن المسائل الهامشية، باعتبارها مضيعة للوقت، وغير نافعة للارتقاء، بالفرد والمجتمع في الوقت نفسه.