أساطير بها نحيا
ها نحن نرى واحدة من الأساطير تتهاوى..! يقول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مخاطباً الأتراك: «حان الوقت للتخلي عن كذبة أن العرب طعنوا الأتراك من الخلف»..
يتحدث إردوغان عن أسطورة هيمنت منذ قيام الدولة الحديثة على العقل التركي، مفادها أن العرب الذين أشعل واحدٌ منهم هو الشريف حسين من الحجاز «الثورة العربية الكبرى» سنة 1916 متحالفاً مع الإنجليز، قد صوّب رمحاً في صدر الدولة العثمانية. هذه أسطورة، لأن الدولة العثمانية كانت تتهاوى، بفعل الفساد، والضعف، وسوء استخدام السلطة، وأيضاً تحت وقع الحرب العالمية.
حسناً، لماذا الآن، أراد إردوغان أن يطهّر الذاكرة التركية من هذا الحيف الجائر بحق العرب..؟! ربما لأن مشروعه الجديد يحتاج إلى تحطيم الحواجز التي تعيق تمدده في الفضاء العربي، وهذه الأسطورة واحدة منها، المهم أن أسطورة كهذه سقطت.. وهي لعبت على مدى تسعين عاماً دوراً مؤثراً في الأجيال التركية التي تشرّبت عبر الكتب ومناهج التعليم أن العرب مجموعة من «الخونة» طعنوا الأتراك في الخلف، وتآمروا مع الإنجليز.. وهكذا تكرست صورة العربي.
وكما سقطت الأسطورة فقد أوضحت لنا كيف تقوم، وتسقط.. هناك من يعبث بالتاريخ.. ليس الماضي السحيق الذي لم نره ولم نعايشه ولم نشهد أحداثه، بل الماضي القريب الذي ما زال طرياً ونابضاً ويتحرك بين أيدينا.. قبل عامين، حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، أن يتمادى في تزييف التاريخ، فأدلى بتصريحات زعم فيها أن مفتي القدس الراحل، أمين الحسيني، كان وراء «المحرقة اليهودية» أو ما يُعرف ب «الهولوكوست»! وأضاف أن الزعيم الألماني، أدولف هتلر: «لم يكن يرغب في إبادة اليهود، بل أراد طردهم فقط، وأن مفتي القدس «آنذاك»، الحاج أمين الحسيني، أقنعه بالتخلص منهم».
هذه التصريحات لقيت استهجاناً من الأمم المتحدة، ومن ألمانيا نفسها التي قالت المستشارة أنجيلا ميركل: «من وجهة نظري نحن نعرف جميعاً أنَّ النازيين هم المسؤولون عن هذه الفاجعة بارتكابهم التطهير العرقي ضد اليهود، ونحن نعتقد أننا مجبرون على أن نورث أبناءنا هذه الحادثة، ولا يوجد سبب لأن نغير هذه الصورة في تاريخنا».
تقول المؤرخة الفلسطينية المعروفة، بيان الحوت، إن المقابلة الأولى بين الحاج الحسيني وهتلر تمت في 28 نوفمبر «تشرين الثاني» 1941، وأما تصريح هتلر بعزمه على إبادة اليهود فكان في خطابه الشهير أمام الرايخستاغ «البرلمان الألماني» في 30 يناير «كانون الثاني» 1939، وتساءلت: «هل فقد نتنياهو القدرة على إجراء عملية حسابية بسيطة كي يعلم أن قرار هتلر قد سبق لقاءه بالزعيم الفلسطيني بنحو 3 سنوات؟».
لذلك، وبسبب غياب العقل النقدي، ما زالت الأساطير التاريخية تنتشر وتهيمن وتؤثر وتشكل وعياً زائفاً وفهماً مغلوطاً.. في تاريخنا شخصيات صنعتها الأساطير مثل «ابن سبأ»، وشخصيات أخرى صنعت الأساطير مثل سيف بن عمر وشخصيته الأسطورية القعقاع بن عمرو..
كيف تتحول الأسطورة إلى حقيقة تاريخية..؟، لأن هناك من ينفخ في رمادها حتى تشتعل وتنتشر وتهيمن، لغاية سياسية واضحة، أو لأن هناك من يريد أن يفرّ من مواجهة الحقيقة باتجاه الأسطورة التي تداوي عجزه أو تقدم الحجج والمبررات للأفكار التي يعتنقها أو يؤمن بها.