آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

رؤية في نقد المثقف

سمية غريب *

”محمد محفوظ“ كاتب سعودي يعنى بالكتابة عن علاقة الإسلام بالغرب وواقع الديموقراطية والحوار في العالم العربي. من مواليد المنطقة الشرقية في السعودية. مدير تحرير مجلة ”الكلمة“.

له العديد من المقالات المنشورة في الصحف والمجلات كما له العديد من المؤلفات نذكر منها: "الإسلام ورهانات الديموقراطية، الأهل والدولة «بيان من أجل السلم الاجتماعي»، والإسلام والغرب ورهانات المستقبل، الحضور والمثاقفة «المثقف العربي وتحديات العولمة»، بالإضافة إلى عناوين أخرى.

ويعتبر الكاتب ”محمد محفوظ“ من الباحثين الذين اهتموا بقضايا الثقافة والمثقف وخاصة ما يخص بالثقافة والمثقف العربي والإسلامي وتجلى هذا في كتابه «الحضور والمثاقفة - المثقف العربي وتحديات العولمة -».

في كتاب ”محمد محفوظ“ تطرق إلى رؤية في نقد المثقف وتكلم فيه عن المثقف العربي والإسلامي خاصة، وأشار فيه إلى عناصر مهمة وحيوية، تستدعي التذكير بها، والإشارة إليها، وتسليط الضوء عليها من جديد.

في أجواء هذا الصراع والمنافسة السيئة تنزلق الخطابات الثقافية إلى مهوى استخدام كل ألوان التضليل والتمويه والارتهان الأعمى لكل وسيلة بالإمكان استخدامها وتوظيفها في عملية الصراع. فتخرج الفروقات والتمايزات الثقافية من واقع الاختلاف والمعرفي الذي يثري الساحة ويقدم لها خيارات ثقافية عديدة، إلى واقع الحرب الضروس بكل تداعياتها وآلياتها ووسائلها. فتضمحل الموضوعية والحقيقة لصالح الإنحيازات الفئوية الضيقة، وتتسع الهوة التي تفصل المثقف عن القيم الثقافية الكبرى التي يحملها في عقله، وينظّر لها في كتاباته ومقالاته، لكنه يخالفها في نشاطه المجتمعي. وتكفي إيضاحا رؤية واحدة إلى الوعي العربي المنشق على نفسه بين مدرسة ثقافية لا ترى سبيلا للنهوض والتقدم إلا الذاتية الثقافية العربية والإسلامية، وبين مدرسة ثقافية ترى أن طريق التقدم هو الاندماج في ثقافة الآخر لنكتشف مدى ابتعاد الحياة الثقافية العربية عن مقتضيات العلمية والموضوعية.

إن المثقف في المجال العربي والإسلامي بحاجة إلى تطور نوعي في مسيرته في الواقع العربي والإسلامي، حتى يتسنى له ممارسة دور أكثر حيوية وفاعلية. وفي تقديرنا أن التطور النوعي في أداء المثقف بحاجة إلى النقاط التالية:

 من الانفعال إلى الفعل:

سيبقى المثقف في المجال العربي والإسلامي أسير الكثير من الصراعات الفكرية التي تبعده عن قضاياه الجوهرية وأموره المهمة، مادام مرتكسا في حالة الانفعال وردود الأفعال، لأنه هذه الحالة تدفع بالمرء إلى الدخول في معارك وأعمال لا تعتبر ذات أولوية في حياته  إلا أته وانطلاقا من تداعيات حالة الانفعال ينخرط فيها وهذا بطبيعة الحال يشتت جهده ويجعله بعيدا عن أولوياته والقضايا الجوهرية التي ينبغي أن يوليها العناية والاهتمام. لذلك فإن المثقف اليوم مطالب ولأسباب عديدة بتخطي حالة الانفعال إلى الفعل التي تؤهله نفسيا وعقليا وثقافيا لممارسة دور أكثر إيجابية لصالح أمته ووطنه.

وتخرجه حالة الفعل على مستوى الموضوعات والقضايا من ذلك الحقل الذي شيّده السابقون سواء عل صعيد أسئلتهم الثقافية والفكرية أو على صعيد الإجابات التي قدموها.

 وبكلمة:

فإن حالة الفعل تؤسس لذاتية ثقافية فاعلة، وتسعى بكل إمكاناتها المعرفية والاجتماعية لتوفير إجابات نوعية شاملة عن أسئلة الراهن وهمومه الكبرى. وبهذا يخرج المثقف من أجواء التطاحن الفكري التي تقوده ضمن أجواء هذا التطاحن إلى الإصرار التعسفي بآرائه واختياراته الفكرية حتى لو تبين له سقمها أو عدم ملاءمتها للواقع المعاش.

 الإبداع:

إن بذرة الإبداع تنمو في حياة المثقف حينما يبدأ التفاعل مع قضايا عصره وعلومه وفق منهجية مدروسة وواعية. ويبدأ هذا التفاعل بنقد الواقع معرفيا ومن ثم تبدأ حالات الإبداع. لأنه ليس وليد الفراغ وإنما هو حصيلة الخبرة والتجربة والمعاناة والتفاعل المباشر مع قضايا المجتمع والأمة.

فالإبداع الذي نراه ضروريا للتطور النوعي في مسيرة المثقف ليس مقطوع الصلة بالواقع الثقافي القائم، بل هو ينطلق منه دون أن ينحبس فيه من أجل تأسيس منظومة ثقافية جديدة تعيد للمثقف حيويته ودوره في إعلاء شأن الوطن والأمة، لأن الإبداع يعني فيما يعني فتح مغاليق الأمور، واكتشاف سبل جديدة لخروج الواقع الثقافي من محنته.

لذلك فهم يتعاطى مع الواقع الثقافي بمفرداته المتنوعة من أجل إعادة صياغته بما يساوق دور الأمة التاريخي ودورها اتجاه التحديات المعاصرة.

فالمثقف مطالب بأن يتجاوز كل القيود الواعية وغير الواعية على فعاليته الفكرية حتى يتمكن من ممارسة دوره الإبداعي، فالإبداع انتقال المثقف من حالة الانفعال واللهاث الفوضوي على المنجز الثقافي والمعرفي إلى الفعل والمشاركة في الإنتاج الثقافي والإنساني، وهما شرطا خروج المثقف من أزمته التاريخية، لأنهما سيوفران الظروف المؤاتية لكي يتبوأ المثقف الموقع اللائق بإمكاناته وأدواره المفترضة  وإننا في هذا الإطار بحاجة إلى رؤية عربية وإسلامية رحبة لكي يتجاوز الوعي العربي والإسلامي انقسامه، وحتى يتأسس الأفق العربي والإسلامي الجديد والبعيد عن احتمالات حروب النبذ والإقصاء والإنكار والاتهامات الرخيصة والسطحية، ونخطو خطوة شجاعة تجاه تأسيس فضاء معرفي يتسع للحوار والاعتراف والاختلاف في إطار ودائرة المعرفة لا الايديولوجيا.

باحثة من الجزائر - ماستر فلسفة الحضارة من جامعة الأغواط