القيادة بين أنا ونحن
تعليقا على مقال ”لايكفي ماذا تعرف.. بل من تعرف“ وصلتني رسالة من أحد الأصدقاء يبث معاناته من رئيسه الجديد الذي تولى مهامه قبل سنة وكلما تلقى طلبا من الإدارة العليا أحضره له لانجازه بمايتوافق مع رغبته وفي أسرع وقت ومن ثَمّ يرسله باسمه حاصدا الفضل والتقدير، ولاتسمع منه غير أنا فعلت وأنا أنجزت..
تختلف أساليب القادة باختلاف توجهاتهم ومدى حرصهم على مصلحتهم ومصلحة الفريق التابع لهم ومنظومة العمل، ويتضح ذلك من خلال سلوكهم وتصرفاتهم والكلمات المستخدمة.
فمنهم من يكثر استخدام الضمير «أنا» في معظم حديثه واجتماعاته ويعزو كل نجاح وانجاز لنفسه. وعندما يُطلب منه تنفيذ مهمة ما يذهب للخبير بها من فريقه لانجازها وإعداد تقرير أو رسالة ولا يتردد البعض منهم من حذف إسم من أنجز المهمة وارسالها باسمه ليوحي لمن فوقه على أنه هو الذي أنجزها فيحضى بالشكر والتقدير والثناء. وهذا هو ديدنه الأنانية وحب البروز والنظر إلى مصلحته في الدرجة الأولى لينال الفضل والتكريم، ويرتقي من مرتبة إلى أخرى على أكتاف العاملين معه. في حديثه يُكثر من قول أنا فعلت، وأنا حققت، وأنا أنجزت.. كما أنه يكثر من استخدام ضمير ياء المتكلم «هدفي»، «فكرتي»، «انجازي» وغيرها مهمشا دور أعضاء الفريق الذين لهم دور كبير وفضل مع كل انجاز يرى النور.
والنمط الآخر يركز على استخدام الضمائر «نحن» و«نا» فيقول نحن أنجزنا، ونحن فعلنا، وهذه أفكارنا وخطتنا، وانجازنا. ولايبخس أي شخص حقه بل ينسب كل عمل لصاحبه ويثني عليه ليسجل كل إنجاز باسم صاحبه، وفي كل محفل يتحدث عن انجازات الفريق باستخدام صيغة الجمع ولاينسبها لنفسه فقط.
هذا النمط يركز على تعزيز العمل بروح الفريق ويفسح المجال لمن يعمل معه للظهور والبروز لينال كل ذي حق حقه متحليا بالمبادئ والقيم ومنها الأمانة والنزاهة. هذا النمط تذوب مصلحته الشخصية في سبيل المصلحة العامة ويعزو النجاح والانجاز للفريق، ويسعى جاهدا لتطوير ونمو أعضاء الفريق ويستثمر في تدريبهم.
يُقال بأن أول من استخدم الضمير «نحن» هو الملك هنري الثاني في 1169 م وانتشر استخدامه فيما بعد لتعني الحديث عن الشخص وأتباعه إلا مايُستخدم من قبل الملوك للتعظيم.
أجرى عدد من الباحثين دراسة «نُشرت باللغة الإنجليزية في مجلة اللغة وعلم النفس الاجتماعي» ووجدوا أن استخدام الضمائر يعتمد على مكانة ومنصب الشخص في أي مجموعة أو هيكل إداري. الضمائر تساعد المتحدث على إبراز محور اهتمامه. فعندما يشعر الشخص بعدم الأمان أو أنه مستضعف يُركز اهتمامه على أفكاره ومشاعره وسلوكه ويكثر من تركيزه على نفسه واستخدام الضمائر «أنا» و«ياء المتكلم» في حديثه ليغطي جانب النقص ويبرز نفسه. وفي الطرف المقابل من يستخدم الضمائر «نحن» و«نا المتكلم» يظهر عليه التركيز على الناس الآخرين أكثر من التركيز على نفسه ويبرز لديه الجانب القيادي.
استخدام الضمير «نحن» يُشعر أعضاء فريقك بأنك قائد وأنك جزء منهم وأنهم طرف في الانجازات التي تُحقق فيزيد من تفاعلهم، ويرفع من معنوياتهم لتقديم المزيد والنهوض بمنظومة العمل لتحقيق رؤيتها وأهدافها. واستخدام القائد للضمير «نحن» يساعده لتحويل توجهه من التركيز على الذات إلى التركيز على المجموعة ومراعاة وتلبية احتياجاتها، فنجاح القائد لايمكن أن يتحقق بدون الفريق الذي يعمل معه. إنه مجرد ضمير مكون من ثلاثة أحرف ولكن مفعوله وأثره كبير عندما تكون قائدا في أي مجال من المجالات وتجرب استخدامه إن كنت من أصحاب ال «أنا».