حديث العرب وردود الأفعال
في الأسبوع الماضي حللت ضيفًا على برنامج حديث العرب الذي يبث أسبوعيًا من قناة سكاي نيوز. وهو برنامج حواري فكري يقدمه باقتدار الإعلامي د. سليمان الهتلان. ومنذ مدة ليست بالقصيرة حظي البرنامج في الأوساط الثقافية العربية بمكانة مرموقة وشهرة ومتابعة تراها بارزة وبشكل واضح في مختلف شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها مؤشرًا أو مقياسًا على قوة أو ضعف أي برنامج يعرض في الميديا. وهذا في حد ذاته يدل دلالة قاطعة على نجاحه سواء على مستوى الضيوف أو مقدم البرنامج أو على مستوى المتلقي وردود أفعاله. وبلا شك نجاح أي برنامج من هذا النوع يعتمد بشكل أساس على من يدير - من جهة - دفة الحوار بطريقة سلسة وذكية في نفس الوقت، والقدرة على انتقاء ضيوفه واختيارهم من جهة أخرى، وقد حقق د. سليمان الهتلان هذه المعادلة من النجاح باحترافية ومهنية.
لقد تطرقت الحلقة في أغلب جوانبها الى قضايا فكرية إسلامية سياسية تهم المجتمعات العربية والإسلامية، وعن بعض الأزمات التي ترتبط بالشباب العربي في علاقتهم بالدين والسياسة، وعن مدى الموقف الذي نتخذه كمسلمين إزاء التراث الإسلامي من جهة وبالحضارة الغربية المسيحية من جهة أخرى، وكيف يمكن المواءمة بين المجالين في سبيل الخروج من مأزق العلاقة مع العالم وليس الغرب فقط، خصوصا بعد أحداث ما يسمى بالربيع العربي.
لكنني سأثير هنا نقطتين دارت حولهما ردود أفعال متباينة من طرف البعض الذين شاهدوا الحلقة وعلقوا عليها. الأولى حول حديثي عن فكرة التسامح التي ارتبطت بالأحساء. والأخرى حول حديثي عن وجود نزعة إنسانية في الموروث الإسلامي سابقة عن وجودها في التراث الغربي وتحديدا في عصره الوسيط.
فيما يخص الأولى كانت أكثر ردود الأفعال انطلقت من كوني ربطت فكرة التسامح بالأرض وبمهنة الزراعة، وبالتالي عند أغلبهم لم أربطها بالثقافة الضاربة جذورها فيها منذ القدم. لا أجد ثمة تعارض بين الرابطين سواء كان هنا أو هناك، بل أجد أن الارتباط بالأرض ومفرداتها - خصائص هذه المفردات زراعية في الأغلب - عند أهلها هي الرافعة التي تبنى عليها تصوراتهم عن الاجتماع والثقافة والدين والتاريخ، وبالتالي نوع الارتباط يحدد نوعية العلاقة القائمة. لذلك كنت وما زلت أردد أن ارتباط أهل الأحساء بأرضهم هو ارتباط حنيني «ناستولوجي» وأكثر ما يتضح ذلك في تصوراتهم عن الأدب وخصوصا الشعر.
أما فيما يخص أسبقية النزعة الإنسانية بوصفها غربية وليست إسلامية، فهذا أمر غير مسلم به على الإطلاق، بالخصوص حينما بدأ المفكرون العرب ينبشوا المناطق الأكثر بعدا في التراث عن أيدي الباحثين الغربيين سواء المستشرقين منهم أو غيرهم، حيث خلصوا إلى عمق هذه النزعة في القرآن الكريم وما تلاه من مواقف في زمن الصحابة.