انتصر الحسين
قال الله تعالى: ﴿إن أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ «82» المائدة.
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا يقول: «رحم الله عبدا أحيا أمرنا قيل له: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» منتدى المفيد.
حلقتنا هذه كانت في احد أيام عيد الفطر المبارك، من السنة الهجرية الثامنة والثلاثين والأربعمائة وألف. كنا نعيش حينها أجواء شهر يوليو الحارة، التي لا تسمح بالنزول إلي البحر، أو مقاربة الصحراء، لذى استأجر الأولاد استراحة شعبية، في احد ضواحي بلادنا الحبيبة.
حضر ولدي وزوجته، وابنتي وزوجها، وكان أول اجتماع لنا بعد صلاة الظهر، وقبل تناول وجبة الغداء. فاجلنا مغادرة صالة الجلوس، والنزول إلى بركة السباحة والجري واللعب في ساحة الاستراحة إلي ما بعد سقوط قرص الشمس وانخفاض درجة الحرارة. فكان أول لقاء لنا لتسجيل هذه الحلقة بعد تناول وجبة الغداء واخذ قسطا من الراحة.
تحلقت العائلة لمناقشة موضوع هذه الحلقة، فأردت إعطاء تلخيصا لما دار في الحلقة السابقة، فسبقتني احد البنات مستأذنة: أود يا والدي أن أعطي نبذة قصيرة عن الحلقة السابقة لنتمكن من ربط الأحداث، وآسفة على المقاطعة.
لا عليك يا ابنتي، وتفضلي، فكلنا آذان صاغية!
شكرا يا والدي العزيز، كان حديثنا في الحلقة السابقة عن خوف الدول الغربية من اجتياح الإسلام لبلادهم وتحول أبناءهم إلى مسلمين، بعد اكتشافهم لقوة الإسلام في البقاء ومقدرته على التخلص من أعداءه نهائيا، رغم ضعفه الظاهري، وضعف الشعوب التي تدين به واقعيا، هذه الشعوب التي تدين للثقافة الغربية بالولاء ثقافيا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
لذا حشدوا له عقول مفكريهم المتخصصة وأموال مؤسساتهم الضخمة من أجل استحداث ابتكار يوقف زحف الفكر الإسلامي بعيدا عن بلادهم.
لذا ابتكروا أولا مسمى ”الصحوة الإسلامية“ لما رأوا تمدد الدين الإسلامي وتغلغله في بلادهم، فبدأوا بالوقوف في وجه هذا الغول بالتشويه والتحريف، ولكن ذلك لم يفدهم شيئا، لكون الإسلام يلبي طلبات وحاجات الفطرة السليمة، التي فطر الله الناس عليها، ولا تبديل لخلق الله.
وبعدها ابتكروا فكرة ”التجديد في الثقافة والفكر“، التي استغلها مثقفونا أحسن استغلال، لكن لم يصل الغرب إلى النتيجة التي أرادها.
وآخر ابتكاراتهم فكرة ”الإرهاب“ التي ألصقت بالإسلام، ولم تكن موجودة بالأساس في الفكر العالمي تاريخيا، والتي أصابت المقتل وضربت الهدف بدقة متناهية، حتى أبطأت تغلغل الفكر الإسلامي داخل بلادهم، بل كادت أن تقضي عليه.
مستغلين في ذلك غفلة بعض السذج الناطقين بالشهادتين، الذين لا يعرفون ماذا يراد بهم، الذين انساقوا خلف قتل الشيوخ والأطفال والنساء وترويع الآمنين، أما لعدم معرفتهم بالفكر الإسلامي حق المعرفة، أو لغرورهم وانجذابهم وراء مصالحهم الشخصية.
أظن هذا كان خلاصة الحلقة السابقة، أليس كذلك يا أبي الحبيب؟!
أحسنت يا ابنتي العزيزة، والآن نريد أن نبدأ حلقتنا هذه.
هنا قفز ابننا الغالي بعد الاستئذان قائلا: كما وعدتنا يا والدي العزيز في الحلقة السابقة، فأن هذه الحلقة سوف تكون عن ما قامت به الدول الغربية اتجاه الفكر الحسيني في محاولة لتحجيمه وإبعاده عن الساحة العالمية، بعد أن نجحت نجاحا باهرا في تحجيم الفكر الإسلامي بشكل عام، هذا أولا.
وثانيا: عن الدور المطلوب من المسلمين لكي يستردوا مكانة الإسلام العالمية، والفكر الحسيني بشكل خاص، ليستفيد أبناء الغرب، بل أبناء العالم بأسره من ثمار الإسلام والنهضة الحسينية، أليس كذلك يا أبي الحبيب؟!
أحسنت عملا يا ولدي العزيز، دعنا نبدأ بوضع النقاط على الحروف، ونرى ماذا دبر الغرب للنهضة الحسينية لكي يقضي عليها؟!
يذكر المحققون أن الغرب لم يكن بأقل جدية في محاربة الفكر الحسيني من محاربته للإسلام، لأن الفكر الحسيني يخيفهم كما يخيفهم الدين الإسلامي، ابتداء من مكة المكرمة والمدينة المنورة والنبي محمد ﷺ والأذان وصلاة الجمعة والجماعة وانتهاء بكربلاء، رغم علمهم بزوال حضارتهم ولو طال الزمن. *
سألت الحاجة أم الأولاد: ما هو الإعلان العريض الذي رفعه الغرب ضد الإمام الحسين ؟!
يعتقد المحققون أن الغرب على علم بأن الشعارات السابقة رغم أنها تمس فكر الإمام الحسين كما تمس الإسلام، وذلك أن الفكر الحسيني جزء لا يتجزأ من الدين الإسلامي، بل هو الجزء الناصع منه، لكنها لم تكن من القوة بحيث تطيح بالفكر الحسيني كما أطاحت بالفكر الإسلامي.
هنا زوج ابنتنا سأل: ولماذا هذا، يا عمي؟!
وذلك لكون الفكر الحسيني يعني طائفة محددة من المسلمين وهم الشيعة أكثر مما يعني غيرهم، رغم الحب الكبير الذي يكنه الجميع للإمام الحسين ، عدا النواصب. لذا وجهوا مفكريهم لابتكار مقولة تنهي حتى هذا الارتباط القلبي بالإمام الحسين ، ويشعل الفتنة بين السنة والشيعة، وتشق الوحدة القلبية التي بينهم، كما شقت الوحدة الدينية.
وتشجعت زوجت ابننا لتتساءل: لم نصل بعد لما نريد فهمه، يا عمي، فما هي الفكرة التي توصل إليها الغرب للإطاحة بالفكر الحسيني؟!
لقد تفتقت أدمغة مفكريهم مستهدفة الحسين والفكر الحسيني بأطروحة نجحت في تحجيم امتداده وتوسعه إلى سكان الأرض عامة فضلا عن بقية المسلمين، كما نجحت في إيقاف تمدد الإسلام إلى بلاد الغرب من قبل، مستغلة في ذلك غفلة المسلمين وانشغالهم بأنفسهم غير آبهين بما يراد بهم، وكأنما الحسين ليس النور الساطع من الأنوار المحمدية، فاخترعوا فكرة ”الفتنة الطائفية“ التي شقت ومزقت الصف الإسلامي أكثر مما هو عليه، وزادته ضعفا وهوانا. فأعادت إشعال نار الفتنة القديمة، التي أججها الأمويون انتقاما من بني هاشم، وظهرت أثارها جلية في معركة كربلاء، والتي ماتت مع الزمن بعد انتهاء مفعولها بزوال حكم بني أمية.
وتساءلت ابنتنا: ماذا يجب على المسلمين عمله لإعادة الأمجاد الإسلامية السابقة، كما كانت عليه في عهد رسول الله ﷺ وزمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ؟
من النقاط التي ذكرها المحققون والتي يتوجب على المسلمين الأخذ بها لإعادة قوة الدين الإسلامي ومركزه في العالم بأسره:
عليهم أولا: تحرير الإسلام من الخصوصيات الشرقية القاتلة التي تحجمه وتبعده عن إنسانيته وشموليته وعالميته، وتضعه في إطار مذهبي أو شعوبي أو قبائلي.
وعليهم ثانيا: الالتفات إلى ما يجعل الإسلام في ديمومة مستمرة، لا مجرد إبقائه على قيد الحياة، لأنه باق إلى آخر الدهر، ولو لم يتحرك المسلمون.
وعليهم ثالثا: استخراج معاجزه الكثيرة التي لم يتنبهوا لها من قبل، وتنبهت لها مراكز القرار في الغرب.
هنا تساءلت الحاجة أم الأولاد: اعتقد إن ما قلت سابقا يمس الإسلام بشكل عام ولم تتطرق بعد إلى النهضة الحسينية، أليس كذلك يا حاج؟!
لقد صدقت يا حاجة، لكنك لو أمهلتني لجئتك بما تسألين.
تفضل يا حاج، وآسفة على المقاطعة.
لا عليك يا حاجة، من حقك السؤال.
وعليهم رابعا: اتخاذ من الحقيقة الحسينية التي هي قبس من نور الرسول محمد ﷺ، نبراسا يستضيئون به للانتصار على الاستكبار العالمي، وإيصال معاجز الإسلام والتي منها الكرامة الإنسانية والشمولية والحرية الحقيقية التي فقدها الشباب الغربي، بل شباب العالم، بسبب عنجهية وغرور الاستكبار الغربي، الذي همه التضليل والالتواء. لتتمكن الشعوب من العيش في رحاب الإسلام الذي يضمن لهم العيش الكريم دنيويا والفوز بالجنة أخرويا. *
اعتقد أن هذا يكفي نهاية لحلقتنا هذه ونراكم في الحلقات القادمة، إن شاء الله تعالى.