ثقافة الحب الخاطئ
التقيت بطالب في سنواته الدراسية الأخيرة تخصص «هندسة النظم».
رأيت الشاب تعتريه حالة الحزن والكآبة والحيرة لأمر قد همّ به، وأدخله في دوامة التفكير، لا يعلم أين ستقف به في المستقبل؟.
ما أن حصلت له فرصة الحديث حتى أفرغ ما بداخله، صار يشكو من أمه وأبيه وحبهم السلبي له، فقد وقفا حاجزاً منيعاً أمام زواجه من الفتاة التي اختارها واقتنع بها، ويرى فيها زوجة المستقبل السعيد.
إنهم رفضوها لأنها من خارج المنطقة التي يسكن فيها هذا أولاً، وثانياً: إنها قد سبق لها الارتباط بزوج آخر وفكّت عقد الزواج منه لعدم الانسجام معه.
الشاب يُحب والديه كثيراً ويحترمهما، ويرى أن أمه هي الأكثر تصلبًا من أبيه، هذا ما جعل الأب محتاراً بين رضا ابنه وزعل زوجته وبالعكس.
قلت له: الزم الهدوء، وتعامل حيال هذا الموضوع بحكمة وروية، فلا تبني مستقبل جديد على هدم الأساس الذي قد قام بنيانك عليه، وهما ابواك، ولا تتنازل عن حقك نتيجة ثقافة تربوية مسيطرة على مجتمعنا، ولا تخسر دراستك التي هي بمثابة الخط المعبّد لمستقبل واعد لك.
الشاب ووالديه دخلوا في أزمة من التفكير، لا يذوقون طعم النوم نتيجة خوف وقلق من مجهول ليس له حقيقة، وومن رائحة ثقافة متخلفة بائدة.
قلت له: استشر ذي الرأي من أسرتك، وابحث عن الشخص القريب من أبيك ليتحدث معه، وقل لهما: التجربة خير برهان لنا جميعًا، فقد تكون الفتاة أفضل مما تتصورونه وتتوقعونه منها.
لا شك بأن الوالدين يخافان على ابنائهما، فهما قاسا التعب والعناء منذ الصغر، ويطمحان أن يكون هذا الابن على قدر عال من النجاح في كل أمور الحياة، حالهم حال المزارع يسقي زرعه لكي يجني في الأخير ثمره.
لكن هذا الحب إذا استسلم إلى العاطفة وجانب العقل سوف يُخرّب البناء الأسري نتيجة التربية والحب الخاطئ، الذي ينتج عنه عادة القلق من المجهول.
لذلك علينا تغيير الثقافة المسيطرة على الأبناء، وان نربيهم تربية متوافقة مع الزمان الذي يعيشون فيه، لا حسب تربيتنا،
فالأبناء لهم زمان غير زماننا جاء في الحديث: «لا تقسروا أولادكم على آدابكم فأنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم».