آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

المشروع الحضاري العلمي للإمام الصادق (ع)

لقد شكلت مدرسة الإمام الصادق الزاخرة بتلامذتها النجباء والمعارف الواسعة والمشتملة لجوانب مهمة من حقول العلم، منارة مضيئة وقامة شامخة في تاريخ المعرفة البشري، لما كان عليه الإمام من حسن اقتناص الفرصة لنشر علوم أهل البيت وبثها في فكر ووجدان الناس التواقة والمحبة لخط الهداية والتنوير الفكري والمعرفة الحقة.

فقد كان التراخي الأمني وضعف السلطة في أواخرها في الجانب الأموي، وبواكيرها الهشة في الجانب العباسي، عاملا مهما في رفع الضيق والملاحقة والمتابعة الأمنية الدقيقة عن مرتادي مجلس الإمام العلمي، مما أنتج انثيالا سيالا وحضورا واسعا من العلماء ومحبي العلم في مجلس الإمام وتحت منبره، دونما أي خوف من الملاحقة والتنكيل.

وتحت طائلة التحقيق والتدقيق يمكننا أن نقول بأن الإمام الصادق ملأ الدنيا بمعارف أهل البيت في شتى العلوم، وتبلورت على يديه معالم التخصص في حقول العلم تماما كما اليوم في جانب الدراسات الحوزوية والأكاديمية، فهناك معارف ومفاتيح معلوماتية عامة تفتح الأفق الفكري للطالب وتوسع مداركه العقلية، وبعد نضوج ورسوخ تلك المعارف يلج في التخصص الذي يحكم جوانبه، مما يتيح إنتاج المؤلفات القيمة والعقول الراقية والمتألقة في أطروحاتها ومباحثاتها، ولا أدل على ذلك من شيء كتلك المناظرات والحوارارت الهادفة والمثمرة التي يعقدها تلامذة الإمام الصادق مع عمالقة الفكر الديني والكلامي والفلسفي.

وامام تللك التيارات الفكرية والعقائدية والكلامية المنحرفة، والتي أدت إلى اعتناق الزندقة والإلحاد عقيدة، والهرطقة والمماحكات والإسفاف فكرا ومنهجا، فلم يكن لها من مانع وسد يوقف هجومها الواسع إلا مدرسة الإمام الصادق، وانبراء طلبته وتحملهم مسئولية تبليغ العلم ونشره بتصديهم للأفكار والأطروحات المنحرفة، بمنهج علمي وازن يستند على قاعدة دليلية وبرهانية صلبة، لا تدع للأهواء والفكر العاطفي الواهن والكلمة النخرة أي وجود مطلقا، وتدحض كل الافتراءات والتوجهات المنحرفة.

وما تنعم به الأجيال المتلاحقة من تنوير ثقافي وأفق فكري رزين وخط هداية عملاق يخلو من الشوائب والشبهات وساقطات الانحراف والضلال، هو ببركة جهود الإمام الصادق وتلامذته النجباء الذين نذروا أنفسهم لإنشاء المدرسة العلمية المتكفلة بالرشد والوعي الإنساني القادر على مواكبة حاجات ومتطلبات الناس الفكرية والعلمية القائمة على المحجة البيضاء، ويكفي الناقد المنصف والمفكر الأريب للدلالة على سعة وشمولية وتميز مدرسة الإمام الصادق الناصعة في حقائقها، أن يطلع على تلك الحوارات والمناظرات التي خاضها الإمام أو تلامذته الفطاحل، والتي أسفرت عن نتائج علمية رائعة أرست معالم الاستقامة والرقي في العلوم.