بين هلال التعلم وهلال التعليم..
الأحداث من حولنا ربما تتسارع لتزداد وتيرتها لحد تصادمها مع بعضها، فبضع سنين خلت فقط برهنت على أن الماضي قريب والمستقبل خطير في خضم هذا التسارع لعجلة الأحداث.
عشرون أو ثلاثون أو أربعون عاما يعيشها المرء في هذا العصر ربما تعني الكثير والكثير من المخزون المعرفي والثقافي والحضاري والعلمي لدى الفرد كل واجتهاده وظروفه، ولكن هذه السنوات من عمرنا ربما لا تشكل فارقا جوهريا عدا كونها رقما، فقد يفوق العشريني الأربعيني والأربعيني السبعيني وهكذا، وهذا التفوق المزعوم هنا مختزل في كمية التحصيل المعرفي والثقافي.. والذي يزداد ويقل باجتهاد الشخص وقدرته على الاستيعاب كما أسلفت، خصوصا وأن كمية لا حصر لها من المعلومات والمواد العلمية والبحوث والرسائل منشترة في كل مكان وتلقيها أيسر مما نتخيل.
بالنتيجة إن تقييم الإنسان لنفسه أو لغيره يجب أن يرتكز على معيار واحد فقط وهو التطبيق والتعليم لا التحصيل، بمعنى قدرة الفرد على تحويل المعلومة التي تلقاها إلى صورة عملية في واقعه المعاش، أما إقتصار المعرفة في التحصيل فهو خطأ جسيم لا يمثل أي قيمة ذاتية ولا يترجم أي واقع فعلي.
وللتطبيق أيضا معايير ونسب، فليس من الإنصاف أن يكون الكمال معيارا للحكم على نجاح التطبيق، إنما حينما تكون النسبة مرضية فإنه يتحقق بها النجاح، وأما الكمال فهو مطالبة بالمثالية - التي لا يمكن تحققها وإن حٙسُن طلبها - إلا أنه أمر يصعب تحقيقه بل ويستحيل إلا لمن وهب لهم ربي ذلك.
الخلاصة إن الحياة في مجمل مراحلها خطوات وعتبات وعوائق منها ما يتعلق بالتعلم ومنها ما يتعلق بالتعليم ومنها ما يتعلق بالتطبيق فمع استدامة عملية التعلم سواء عن طريق الإكتساب الذاتي أو البحث أو التعلم من الأخطاء والأحداث فعملية التعليم والتطبيق تبقيان في عجلة الحراك والإستمرارية.
لا ينبغي أن نقف عند مستوى معين في مراحل التعلم ولا ينبغي أن نتعثر عند وجود خطأ هنا أو هناك في مجرى حياتنا فخطأ اليوم هو درس تعليمي لتطبيقه في الغد، كما لا ينبغي أن تقتصر حياتنا على التعلم والتطبيق متجاهلين دور التعليم كزكاة وجب دفعها لغيرنا، والأهم أنه لا ينبغي أن ننشغل بأخطاء غيرنا أو قصوره وتقصيره والتشنيع بها أو الفرح وابنظر للحياة بعين الراصد فقط ونحن لا نعمل على تعديل أخطائنا والإستفادة منها كقيمة تضاف إلى سجلاتنا حين نحول الخطأ إلى استقامة مستمرة بالتطبيق السليم لما فهمناه من تلك الأخطاء.