«اعتدال» الصورة أصبحت أجمل!
منذ نحو أربعين عاماً، كان الخطاب المتشدد يتصدّر المشهد في منطقتنا برمتها، جيلان على الأقل تشرّبا هذا الخطاب، الذي سُفِحَتْ على جوانبه مفاهيم التسامح، والتعايش، والحداثة، والنهضة، والمعرفة الإنسانية.
الصورة النمطية لهذه المنطقة أنها مشحونة بالتطرف الفكري، وأن الخطاب الذي تصدره للعالم مشحون بالكراهية والإقصاء ويشجع على العنف، سواء رضينا بهذه الصورة أم كرهنا رؤيتها. وسواء كانت بإرادتنا أم فرضت علينا، لا يهم! وسواء كنا مستفيدين من هذه الظاهرة أم كنا أولى ضحاياها، لا فرق! المهم: كيف نخرّج من أسرّ الصورة؟ كيف نكسر الإطار؟ كيف ننقذ هويتنا وصورتنا وسلمنا الاجتماعي ومشروع الدولة الذي يجمعنا...؟ هذا هو المهم!
اليوم لدينا خطوة مهمة تمثل في حقيقتها قفزة هائلة للأمام: المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف «اعتدال»، الذي دشنه في الرياض مايو «أيار» الماضي، خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بحضور رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب، وقادة ورؤساء وفود أكثر من خمسين دولة إسلامية.
أهمية هذا المركز، أنه يمثل خطوة حقيقية لمكافحة التطرف، وليس لـ «إدارة» التطرف أو توجيهه، وهو ليس للعلاقات العامة، وتجميل الصورة! المبادئ التي يقوم عليها، ونظام الحوكمة الذي يعتمده، والجدية التي يتميز بها، تجعله جديرا بالفعل بقيادة مشروع تفكيك الخطاب المتشدد، وتخليصنا من ربقة الفكر الذي اختطف بلادنا وهويتنا وصورتنا، وتسبب في تعميم الفوضى والكراهية حول العالم.
أهمية المركز، أنه ينبع من بلادنا، من السعودية خصوصاً، التي تمتلك قوة هائلة للتأثير، ومكانة مرموقة بين الدول، وتسعى لتخليص ثقافتها من هيمنة التشدد الفكري. كما تنبع أهميته كذلك في أنها المرة الأولى التي تجتمع دول العالم صفا واحدا وبشكل جاد لمواجهة خطر التطرف، لما يشكله من تهديد للمجتمعات وتعريضها للخطر.
الفكر المتطرف لا يخلق عداوات اجتماعية أو مناوشات فكرية، خطره أكبر، فهو يؤدي حكما للإرهاب؛ العدو الأول المشترك للعالم، لذلك فقد جاء تأسيس «اعتدال» كثمرة للتعاون الدولي في مواجهة هذه الآفة الخطيرة.
يقوم المركز على رصد وتحليل الخطاب المتطرف، للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، والتعاون مع الحكومات والمنظمات لنشر وتعزيز ثقافة الاعتدال. وهو يقوم على تفنيد خطاب الإقصاء وترسيخ مفاهيم الاعتدال، وتقبل الآخر، وصناعة محتوى إعلامي يتصدى لمحتوى الفكر المتطرف بهدف مواجهته، وكشف دعايته الترويجية.
ويقول المركز إنه طور تقنيات مبتكرة يمكنها رصد ومعالجة وتحليل الخطاب المتطرف بدقة عالية، بما يتيح مستويات غير مسبوقة في مكافحة الأنشطة المتطرفة في الفضاء الرقمي. ويضم عددا من الخبراء الدوليين المتخصصين والبارزين في مجال مكافحة الخطاب الإعلامي المتطرف على جميع وسائل الإعلام التقليدية والفضاء الإلكتروني.
بسبب هيمنة الخطاب المتطرف، فقد كثير من الناس صورتهم الطبيعية قبل أن تُشكّلها عناصر الإكراه والتوجيه والبرمجة الثقافية، جرى إقصاء المرأة عن المشهد، وجرى تغييب الفنون مما أصاب الذائقة الجمالية للمجتمع بأسره، وأصبحت الحياة أكثر قسوة وأشد صرامة، وأكثر عبوسا. ً.. «اعتدال» يمكنه أن يساعدنا أن نستعيد صورتنا!