خصخصة الصحة، حل ومشكلة!
أعلنت وزارة الصحة في التاسع من شهر يوليو الجاري تغييراً إدارياً حينما أعلنت عن فصل المستشفيات والمراكز الصحية عن الوزارة وتحويلها إلى شركات، هذا يعني أنَّ رؤية القطاع الحكومي الصحي ستتغير إلى المنطق الربحي الذي يفرض التنافس على أساس الجودة والكفاءة والإنتاجية، ردود الأفعال تباينت حول هذا القرار، فبينما رأت شريحة أنَّ الخصخصة ستقود إلى رفع الكفاءة وتقليل الفساد ومحاربة الهدر، أبدى آخرون تخوفهم من أمرين أساسيين، الأول يتعلق بمستقبل الموظفين السعوديين في هذا القطاع بناءً على مستوى الأمان الوظيفي المتدني في القطاع الخاص، والآخر بالطريقة التي تتعامل معها بعض المستشفيات الخاصة مع أطبائها التي تجعلهم أقرب لمندوبي مبيعات منهم إلى أطباء من خلال مطالبتهم بمستوى «TARGET» معين من المبيعات.
هناك اختلاف يصل إلى مستوى التناقض بين الفكر الوطني والفكر الرأسمالي الربحي الصرف، في حديث الشركات غالباً ما تُحدَّد الإستراتيجيات المختلفة بناءً على قدرتها على تحقيق أعلى العوائد، في حين يختلف الأمر تماماً في الفكر غير الربحي، يمكن التمثيل لذلك في جانب التوظيف مثلاً، فالفكر الربحي الصِرف يبحث عن أجود الموظفين بأقل الأجور، بينما في الجانب الوطني فإنَّ المواطنين هم أولى بالعمل حتى وإن كانت تكلفتهم تزيد كثيرا عن تكلفة غيرهم، هذا الأمر يشكل هاجسا حقيقيا للأطباء السعوديين وكافة كوادر القطاع الصحي إذا ما أُطلق العنان تماماً في إدارة هذا القطاع للفكر الربحي البحت، حينها سيجد هؤلاء أنَّ غيرهم سيستحوذ على ما يعتقدونه حقاً لهم من العمل، من هنا فإنَّ وزارة الصحة بصفتها المنظم والمشرف على هذا القطاع ستكون معنية بوضع قوانين صارمة تحمي كوادرها السعودية من التسريح، لا سيما والملاحِظ لما يجري في القطاع الخاص يجد بوضوح تسابق كثير من الشركات على تسريح المواطنين واستبدالهم بأجانب بعدما أقرَّ نظام العمل المادة 77 التي تجيز ذلك، من جانب آخر، فإنَّ المتتبع أيضاً لنسبة من مستشفيات القطاع الخاص يجد حالة من الانتهازية في التعامل مع المراجعين الذين يحملون بطاقات التأمين الصحي، هذه المستشفيات تبذل جهودا كبيرة في تضخيم الحالة الصحية للمراجع ومنحه سلسلة من الأشعات والتحاليل والأدوية وغيرها مما لا يحتاج إليها المريض، كل ذلك في سبيل تحقيق مزيد من الأرباح، هذه الأمور يمكن بوضوح ملاحظتها في القطاع الصحي الخاص، وينبغي جداً أن تكون هناك تدابير لتلافي ذلك.
بقي القطاع الصحي لفترات طويلة يعاني من مشكلات كثيرة رغم تعاقب الإدارات المختلفة، الخطة الطموحة بخصخصة هذا القطاع ستقود بالتأكيد إلى علاج نسبة كبيرة من تلك المشكلات وتطوير هذا القطاع الحيوي المهم، ولكن وكشأن أي تغيير فإنَّ تحدياتٍ من نوعٍ آخر ستظهر، من هنا فإنَّ الأمل كبير في وزارة الصحة وفي شخص وزيرها الدكتور توفيق الربيعة، الذي يُجْمِع كثيرون على أنه الشخص الأنسب لهذا المرحلة المهمة في أن تقوم بدور إشرافي وتنظيمي صارم يستطيع أن يحقق للمواطنين مستوى الجودة والأمان الصحي المطلوب، كما ويحقق لمنسوبي هذا القطاع من المواطنين الأمان الوظيفي وبيئة العمل الصالحة.