الذهول
«يبكي ويضحك لا حزنا ولا فرحا
كعاشق خط سطرا في الهوا ومحا»
«يا ونتي ونة حسين بن منصور
شاف الصبايا واقلط الثور في البير»
الذهول هو «الاندهاش الشديد»، هذا ما يقوله القاموس، ويقول غيره «هو حالة ذهنية عابرة تظهر في عدم التهيؤ لأشياء مفاجئة فيتشتت الفكر ويذهب التركيز».
البيت الأول الذي تحتضنه الفصحى احتضان العاشق يضع الذهول أمامك شاخصا فتتعرى ملامحه بيديك وهو ناصع الأصالة، فهو حفيد قول ذي الرمة على الرغم من أنه لبشارة الخوري.
«عشية ما لي حيلة غير أنني
بلقط الحصى والخط في الترب مولع
أخط وأمحو الخط ثم أعيده
بكفي والغربان بالدار وقع»
المتناسل هو نفسه من قول عروة من حزام:
«وما هو إلا أن أراها فجاءة
فأبهت حتى ما أكاد أجيب
ويظهر قلبي عذرها ويعينها
علي فما لي في الفؤاد نصيب»
الذهول كحالة إنسانية لا بد من لقاء التعبير عنها بعضه ببعض، معها اختلفت العصور، ولكن الفرق يكمن في تعبير ترى فيه الذهول من وراء زجاج أو ضباب، وبين آخر ترى الذهول أمامك، ويمكن أن تتعرى ملامحه «يداك بلمس» كما يقول البحتري ومنه هذا التعبير المترع «الشعبي» الذي لا أعرف قائله:
«يا ونتي ونة حسين بن منصور
شاف الصبايا واقلط الثور في البير»
رؤية الصبايا منذ خروج الانسان من سيطرة الغريزة الى الثقافة. الى تقلب عينيه وقلبه في اوكار الجمال المتنوعة على الارض او في الخيال.. كانت هذه الرؤية امتحانا للصدق والكذب عند العشاق والشعراء.
وما كل ممشوق القوام بثينة
وما كل مفتون الغرام جميل
وإذا اردت التأكد من هذه المقولة، فما عليك إلا أن تقرأ الغزل العربي منذ امرئ القيس حتى نزار قباني، فستجد أن 90 بالمائة من هذا الغزل خشب مسندة حتى أن القمر المسكين راح يغطي وجهه خجلا من سخف التشبيه بوجهه المستعار.. ولك أن تقرأ لنزار قباني «مزقيها/ كتبي الفارغة الجوفاء إن تستلميها/ والعنيني والعنيها/ كاذبا كنت وحبي لك دعوى أدعيها.. الخ».