تحرير الموصل.. الاستثمار السياسية
يحق للحكومة العراقية، استثمار الانتصار الكبير في الموصل، وكسر شوكة داعش، بما يعود عليها سياسيا، عربيا وإقليميا ودوليا، فالانجاز الكبير الذي حققته القوات العراقية، منذ انطلاق معركة الموصل قبل 8 أشهر، لم يأتِ بسهولة، حيث قدم العراقيون انهر من الدماء، في سبيل الوصول الى فرحة الانتصار، الامر الذي يتطلب من القيادة السياسية، تسخير تلك الانتصارات بما يَصْب، في مصلحة العراق سياسيا، على المدى القريب والمتوسط والبعيد.
الانتصار العسكري، يمثل احد العناصر الأساسية، لدى مختلف الدول للبروز السياسي، فالدول التي تمنى بهزيمة عسكرية، تفقد قرارها السياسي، وتصبح نهبا لأطماع القوى المنتصرة، او الدول الطامعة، فيما تعمد الدول المنتصرة، الى فرضها اردتها على الأطراف الأخرى، باعتبارها قوة ناهضة، تمتلك مقومات المشاركة الفاعلة، في مختلف الملفات والقضايا الشائكة، على الصعيد الإقليمي والدولي.
الحكومة العراقية، تمتلك فرصة ذهبية في الوقت الراهن، لاستثمار الهزيمة الماحقة، التي ألحقتها بداعش في الموصل، فالتراخي في وضع الأمور في النصاب الصحيح، على الصعيد السياسي، سيترك تداعيات على الصعيد الداخلي أولا، والمستوى الدولي ثانيا، فالوضع الداخلي ينتظر من بغداد، القيام بخطوات لتثبيت هيبة الدولة، بعد التطور الذي حققه الجيش، في معاركه الشرسة مع داعش، في مختلف المناطق التي سيطر عليها، منذ عام 2014، فيما الحضور السياسي على الصعيد الدولي، يستدعي تنشيط المسار الدبلوماسي، والتحدث بصوت واحد في مختلف المحافل الدولية، لإظهار التماسك بين القوى السياسية، الفاعلة في البلاد.
عملية استثمار هزيمة داعش عسكريا، تستدعي إعادة ترتيب البيت الداخلي العراقي، من خلال وضع استراتيجية واضحة، فيما يتعلق بمسار العملية السياسية، تعزيز الثقة بين الكيانات، التي تقود البلاد في المرحلة الراهنة، خصوصا وان عودة الصراعات والمناكفات، بين تلك الأحزاب والكيانات، يفوت على الحكومة العراقية، للاستفادة من الزخم القوي، الذي خلقه الإنجاز العسكري في الموصل، فالصراعات السياسية على العقد الماضي، وفرت المناخ لعدم الاستقرار الأمني والسياسي، وبالتالي ساهم في احداث حالة من التخبط، الذي عاشته الكثير من المناطق العراقية، جراء النزاعات الطائفية التي ولدتها المحاصصة السياسية، في الكثير من مفاصل الدولة.
الحسم العسكري في المعارك مع تنظيم داعش، سيذهب هباء منثورا، وستعمد بعض القوى لاستثماره بما يعود عليها بالفائدة، في حال تركت الحكومة العراقية الساحة فارغة، اذ ستتحرك تلك القوى بسرعة لملئ الفراغ السياسي، عبر التواصل مع العالم لاستثمار الانتصار، من اجل اختراق الساحة الدولية وتحقيق المكاسب، الامر الذي يحرم حكومة بغداد، من الصعود مجددا على الساحة العالمية، لاسيما وان السنوات الماضية، سجلت تراجعا ملحوظا للعراق على الصعيد الدولي، نتيجة غياب الاستقرار السياسي والأمني.
المرحلة التي تعقب القضاء على داعش، لا تقل أهمية عن معركة المعارك العسكرية في جبهات القتال، فالحروب السياسية، التي ستظهر لاستثمار الانتصار العسكري، ستبدأ في الظهور، بمجرد انقشاع غبار الحرب، التي جمدت تلك الصراعات بين الأحزاب السياسية، بيد ان تغليب المصلحة الوطنية، يفرض على تسخير تلك الاختلافات السياسية، في تكريس الحضور القوي، للعراق إقليميا ودوليا.