الغرب يحتضر
يقول الله في كتابه العزيز: ﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ «82» المائدة.
عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا يقول: «رحم الله عبدا أحيا أمرنا قيل له: وكيف يحيى أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا» منتدى المفيد.
بعد إحياء ليالي القدر المباركة اقترحت الحاجة أم العيال تحويل جلسة هذه الحلقة إلى بيت احد الأهل أو الأقارب، فنضرب بهذا عصفورين بحجر واحد. نكمل عقد جلستنا خارج البيت، فنكسر الروتين السابق، ونقوم بواجب صلة الرحم. فوقع اختيارنا على بيت أخي وابن والدي الغالي، فاتصلنا بهم وأخبرناهم عزمنا بزيارتهم، والهدف الآخر منها.
وصلنا بيت أخي بعد الإفطار وقبل السحور، فقامت عائلته باستقبالنا أحسن استقبال. فكانوا لرؤيتنا متلهفين، ولإكرامنا ومبادرين.
وبعد قيامهم بحسن الترحاب وواجب الضيافة، طلبت من أخي السماح لنا ببدء طرح محور هذه الحلقة، الذي كان الهدف الآخر من زيارتنا.
لكنه سبقني قائلا: لقد أغراني طرحك عن البوذية مع أنها ديانة ومسلك لا يعنينا كثيرا نحن في الشرق الإسلامي، وليس لها تأثير مباشر علينا، لكن بقائها حية ينبض فيها الروح، هو استلهامه بعض المبادئ السماوية، كما كانت الحقيقة الحسينية التي لا زالت نابضة بالحياة إلى هذه الساعة، لاستلهامها كامل المبادئ السماوية، اعتقادا وتطبيقا، وهذا - على ما اعتقد - ما أغراك للكتابة عنها.
وعن ماذا تريد مني أن أتحدث يا أخي العزيز؟؟
أريدك أن تتكلم عن ما هو قريب منا، عن ما يمسنا مباشرة، عن من غير حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا!!
مثل ماذا يا أخي، اجعل كلامك واضحا ودون التلميح؟!
تكلم عن الغرب مثلا، عن الثقافة الغربية التي غزت بيوتنا وعقولنا فضلا عن أسواقنا ومجتمعاتنا.
أحسنت يا أخي الحبيب، فلقد أصبت الهدف، فإن هو محور حديثنا لهذه الليلة، والحلقات القادمة - إذا وفقنا الله تعالى - سيكون عن الثقافة الغربية، أو الغرب بشكل عام، وتأثيره على إسلامنا، وعلى الثورة الحسينية بالخصوص، وما هو واجب المسلمين اتجاهه.
أحسنت يا أخي العزيز، فكلما كان الحديث عما يمسنا مباشرة، كانت استفادتنا منه أكثر وأهميته لنا أعظم!!
أود يا أخي الغالي إعطاء فكرة تاريخية مقتضبة وسريعة عما قام به الغرب في شرقنا الإسلامي، بما يناسب حلقتان، ويناسب استيعاب عقولنا في هذا الشهر الفضيل
تفضل يا أبن والدي.
يذكر المحققون إن محاولات الغرب في الاستيلاء على خيراتنا ومقدراتنا لم تكن وليدة اليوم، بل قديمة عبر الزمن، ولكنها في كل مرة تتغير الأهداف، تتغير على إثرها ما يطرح من مسميات.
وكيف ذلك يا ابن أمي الحبيب؟!
فمرة بدعوى الدفاع عن المسيحية، كما فعل الرومان في احتلال الشام قديما، ومن بعدها استعبدوا المسيحيين الشرقيين وسرقوا أراضيهم وخيراتهم.
ومرة بدعوى التجارة فأسسوا مثلا شركتي الهند الشرقية البريطانية، والهند الشرقية الهولندية في منطقة الخليج في العهد الحديث، ليتمكنوا من التحكم في مواردنا المعيشية، فتكون زمام الأمور بأيديهم.
ومرة بالاحتلال المباشر، بدعوى الانتداب.
فماذا جد يا أخي الحبيب عما سبق وذكرت؟!
ما جد هو ما تفتقت عنه عقول المفكرين الغربيين في نهاية الحضارة عالميا، واستحكام الحضارة الغربية في دول العالم إلى نهاية الدنيا.
وهذا أيضا ما هو كائن يا أخي الغالي، وما نعيشه في أيامنا هذه، فما هو الجديد؟!
الجديد يا أخي العزيز، هو ما قلب المجن على ظهره، فلقد وصلوا إلى قناعة بأن هذه الحضارة سوف تنهار مهما طال بقائها، كما انهارت الحضارات التي قبلها، والتي استمدت منها قوتها، وبنفس الأسباب التي أدت إلى انهيار تلك الحضارات. رغم قوتها وثباتها وحصولها على كل مقومات الحياة الأبدية، والسبب في ذلك تدهور الكرامة الإنسانية.
نعلم ذلك يا نور عيني والديك، وهذا ليس بجديد علينا!!
لكن الأدهى والأمر، هو توصلهم لبقاء الدين الإسلامي إلى الأبد، وهو بذلك الضعف وذلك الانكسار، وهو الذي ليس له مقومات البقاء المادية، بل إن الأقوام التي تتبعه وتؤمن به ذيول لاصقة بالحضارة الأوربية، تتبعها حيثما مالت. وان هذا الضعيف المنكسر سوف يقود العالم بأسره.
أظنك سوف تقول: إن هذا طبقا لأي القران الكريم: ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ القصص «5». وماذا عملوا لصد هذا المارد وإيقافه؟!
لقد ارتعب القادة الغربيون وبدأ مفكريهم بالتحرك والعمل على ما يوقف هذا المارد العاتي قبل إكمال غزوه لكامل بلادهم.
وما هي الخطوات التي قاموا بها؟!
بدؤوا بتصدير فكرة الصحوة الإسلامية، ليضخموا حجم عداوته ومن ثم يسهل ضربه.
وهل نجحوا في تصدير هذه المقولة وإصابة هدفها؟!
لم تنجح المقولة السابقة في إصابة الهدف كما ينبغي، فجاءوا بفكرة أخرى.
وما هذه الفكرة الجديدة، التي أنتجتها عقول مفكريهم، هذه المرة؟!
التجديد في الثقافة العامة والكتب المدرسية، التي صدقها مثقفونا وأخذوا بالركض خلفها، فكأنما كانوا في انتظار فكرة كهذه لنفض الغبار عن عقولهم وأفكارهم، وليبدؤوا الإنتاج والتحديث.
وهل الغرب صادق في مقالته هذه، لأن حسب ظاهرها صحيحة مقبولة، ففكرنا ومناهجها بحاجة لإعادة تأهيل!؟
ورغم صحة هذا الادعاء، لكن لم يكن الهدف الأساس منه تجديد تفكيرنا وثقافتنا، ولكن اضطهادنا وتدمير إسلامنا.
وهل استفادوا كثيرا من هذا المنتج؟!
لم يستفيدوا كثيرا من هذه الفكرة، بل لم تأتي بالثمار المرجوة منها، فطرحوا باكورة أفكارهم، والتي استطاعوا بها إيقاف المد الإسلامي عن الانتشار في بلادهم.
وما هي فكرتهم الشيطانية الجديدة التي استطاعوا بها إيقاف المد الإسلامي عن الانتشار بلادهم هذه المرة؟!
الإرهاب. وقد ساعدهم في نجاحها بعض المتأسلمون من الناطقين بالشهادتين، من القتلة والإرهابيين الذين عرضوا الإسلام بطريقة بشعة، بغض النظر عن كونها بدافع شخصي، أو بدعم وبإيعاز من الدول الغربية. فلقد ساهم هذا الطرح وبقوة في ابتعاد شباب الغرب عن الإسلام وروحه، بل عن تسامحه والكرامة الإنسانية التي يهبها للبشرية. *
هذا على ما أعتقد فيما يخص الدين الإسلامي بشكل عام، فماذا عن الإمام الحسين وعن حركته الإصلاحية بشكل خاص، فماذا كان دورهم، يا ابن والدي؟!
هذا هو محور حديثنا القادم يا ابن أمي، لأن هذه المقدمة كافية في هذه الحلقة، ونراك في الحلقة القادمة.