آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 2:20 ص

ثقافة التضليل

محمد أحمد التاروتي *

عملية قلب الحقائق، وخلط الاوراق، تتطلب وضع اجندة، ترسمها أيادي قادرة، على احداث غسيل الادمغة، خصوصا وأن الخطوات المتبعة، تأخذ في اعتبارها ردات الفعل، وظهور مشروع مضاد، يسعى لافشال المخطط المرسوم، اذ من الصعب قلب الحقائق دفعة واحدة، فالعملية تتطلب سياسة الخطوة خطوة، لأحداث تغييرات تدريجية، لدى الطرف الاخر، بغرض احتوائه، والحصول على صوته، في نهاية المطاف.

سياسية الجرعات، المتبعة تعتمد في الغالب على خلط المعلومة الصحيحة، بالأخرى الكاذبة، لأحداث اهتزازات فكرية، والحيلولة دون احداث صدمة عنيفة، ﴿خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، الامر الذي يحدث نوعا من الحيرة، في النفس بشأن صدقية، وعدم صدقية تلك المعلومات، نظرا لوجود المعلومات الدقيقة، في ثنايا القضايا المطروحة، بمعنى اخر، ان الجهات الساعية لتضليل الرأي العام، ومحاولة توجيه ضربة قاصمة للطرف المنافس، لا تتحرك بشكل صادم على طول مشوار الصراع، اذ تعتمد الية التروي، والتريث في احداث اختراق، لدى المتلقي، مما يحقق الغرض النهائي، المتمثل في الحصول، على القاعدة الشعبية المدافعة عن افكارها.

محاولة استقطاب أصحاب الرأي، وحملة الفكر، تمثل الخطوة الأولى، في مشوار تزييف الحقائق، خصوصا وان تلك العناصر تمتلك من الأدوات، والقدرة ما يؤهلها، للعب دور حيوي، في تبني السياسة المرسومة، نظرا لاختلاطها الدائم مع المجتمع، وكذلك وجود قاعدة شعبية تناصرها، مما يجعلها قادرة على تغيير الكثير من القناعات السائدة، وبالتالي المساهمة الفاعلة في مشروع التضليل الشامل، اذ لا يمكن تمرير المشاريع على اختلافها، دون الاستعانة بالنخب الفكرية، والشخصيات العامة، خصوصا وأنها قادرة على التأثير، سواء بشكل واسع او جزئي.

استخدام الماكنة الإعلامية، على اختلافها تمثل الرئة التي يتنفس من خلالها أصحاب المشاريع، على اختلاف مشاربها، فكل طرف يحاول السيطرة، على اكبر قاعدة شعبية، ويتحرك وفق قاعدة ”اكذب حتي يصدقك الناس“، حيث يعمد للاستعانة بمختلف وسائل الاعلام المتاحة، لا سيما وان الطرف الذي يتجاهل الوسيلة الإعلامية، سيجد نفسه على قارعة الطريق، بمعنى اخر، فان رصد المبالغ الضخمة، لترويج المشاريع الخاصة، امر بالغ الأهمية، من اجل الفوز وتحقيق الغرض النهائي، ﴿وَجَاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالُوا إِنَّ لَنَا لَأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِين «» قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ.

تتحرك القوى المحركة، لمشروع التضليل بطرق مختلفة، فمرة تظهر الأسلوب الديمقراطي، ومحاولة إظهار اكبر قدر من الاستعطاف، في سبيل الوصول للهدف المنشود، خصوصا وان بعض القضايا تتطلب إظهار الوجه البشوش، والطريقة الديمقراطية باعتبارها، الأكثر قدرة على كسب التأييد للخطوات المرسومة سلفا، ”يريد ان يخرجكم من ارضكم فماذا تأمرون“، ومرة أخرى، يتطلب تطبيق الخطة الوجه الاخر، والمتسلط الذي لا يعرف الرحمة على الأرض، خصوصا في ظل الفشل في مقاومة المشروع الاخر، مما يجبره على اتخاذ الطريقة التعسفية، والدموية، لنسف جميع الأفكار المضادة، وبالتالي للإقدام على الخطوة الأخيرة، ﴿اخرجوا ال لوط من قريتكم انهم أناس يتطهرون.

كاتب صحفي