ثقافة الدسائس
تتبارى بعض الشرائح، في ابتكار مختلف أساليب الخبث والمكر، في قطع الطريق امام العلاقات الإنسانية، القائمة على التعاون والمحبة والاخاء، اذ تتحرك بمجرد بروز ملامح عودة الوشائج الاجتماعية، لاشعال النيران لإلهاب القلوب بالكراهية، وايقاظ نار الفتنة مجددا، حيث تستخدم مختلف الطرق، في سبيل الوصول لغاياتها المريضة، مما يجعلها تقف على التل، بمجرد عودة الشقاق، في كيان المجتمع الواحد، بهدف التفرج على انهر الدماء، تسيل من جميع الأطراف، باعتبارها الوسيلة الوحيدة، لتحقيق المكاسب المادية والمعنوية، فهذه النوعية من الشرائح الاجتماعية، تصطاد في الماء العكر.
لا ريب ان تحقيق أصحاب الدسائس، للخطط المرسومة لاشعال الفتن، مرتبط بوجود أدوات داخل المجتمع، تقوم بترجمة تلك المساعي على الأرض، خصوصا وان هناك عناصر لا تجد غضاضة، في السير وراء من يدفع دون النظر، الى مشروعية تلك الخطط من عدمها، فالعملية مرهونة بمقدار الدفع بالدرجة الأولى، فيما لا تحتل الاثار المترتبة، على ايغال النفوس بالضغائن، أية أهمية في قائمة من يبيع ذاته بالدينار، والدرهم.
حملة الدسائس يمثلون الطابور الخامس، في البيئة الاجتماعية، حيث يتحرك باتجاه نخر الصف الاجتماعي من الداخل، سواء لأغراض شخصية، او دوافع خارجية، فالبعض يتجه نحو تخريب العلاقات الاجتماعية لاهداف خاصة، من اجل القضاء بعض المسلمات السائدة، واستبدالها باخرى يحاول تكريسها، مما يدفعه لإطلاق الماكنة الإعلامية، باتجاه تخريب تلك القناعات، وبالتالي احداث صدام مباشر داخل المجتمع الواحد، الامر الذي تتحدث عنه الكثير من الحوادث التاريخية على مر العصور.
بينما ينطلق البعض في الطابور الخامس، من احقاد ذاتية تجاه المجتمع، مما يحرضه على بيع نفسه لآخر على حساب البيئة، التي يتنفس ويأكل منها، اذ يحاول البعض التبرع طواعية لتقديم الخدمات المجانية، للاخر كنوع من الانتقام من المجتمع، بحيث يتحرك لبث الفرقة في المجتمع، وتكريس الشقاق والخلاف، بهدف احداث الخصام، وقطع حبل الود بين المجتمع الواحد، الامر الذي ينعكس سلبيا على قدرة البيئة الاجتماعية، على الصمود في وجه الأعاصير القادمة، من وراء الحدود الجغرافية.
المكاسب المترتبة على الشقاق، لا تخفى على الجميع، باعتبارها الشرارة التي تطلق، ولكنها سرعان ما تتضخم، لتأكل الأخضر واليابس، لتنسف الثقافة السلمية، التي تشكل قاعدة أساسية، في التماسك الاجتماعي، سواء على قاعدة الثقافة المشتركة، التي تكرس الصف الواحد، او من خلال تعزيز التعايش الاجتماعي، لمواصلة السير قدما لمنع التحارب الداخلي.
ثقافة الدسائس مرض خطير، يصيب النفوس قبل الأجسام، خصوصا وان تشبع القلوب، بامراض الحقد، يقود لارتكاب أفظع الجرائم، بحيث تصبح المبادئ الأخلاقية، مفردات تتردد على الالسن، دون ترجمتها على الواقع العملي، ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾، مما يعني ان عملية اجتثاث هذه الثقافة المريضة، يتطلب تبيض القلوب من الضغائن، والأحقاد، التي تحيل الانسان الى وحش كاسر، يعيث في الأرض.