«في تأبين شهيد القرآن»
أقف على جثمانك أيها الأمين لا لأبكي أو أستعبر..
بل أقف ممجداً بصمت هذا الموقف الجليل..
وكأنما الصمت بحر لا نهاية له..
ولا يمكنني ملامسة السماء إلا بقلبي..
في هذه الليلة وأمام جثمانك أيها الأمين..
أقف كالمشدوه في تصاريف الحياة..
في همسة هذا الليل الكئيب..
وفي رعشة هذا الصمت الكبير..
تعتصر الأوراق في كفي...
وأنا أمشي إلى نعشك في عباءة دامية..
وأراني اقتفي النجوم والأثر تلو الأثر..
لعلي أنزع اللحظة من شسع نعالك..
لعلي أقطف الحبات من خطاك..
أيها الأمين..
حين أترك دفة سفينتي أرتعش في نشوة آلامي..
وحين أغوص في الأشكال تحرق أوتار يدي ورجلي حتى تحيل إلى رماد..
توهموا حينما أحرقوا جسدك أنك حلت إلى رماد تذروه الرياح..
أيها المغفلون..
لقد أصبح جسده منارة شامخة يهتدي بها كل عاشق للقرآن..
فكل من لمس شغفك استطاع أن يتحسس أوتار القرآن في رؤاك...
أيها الأمين..
أما آن لك أن تتسلل في أوتارك وتتنزل من نجومك..
ولكن قدر الله فوق كلِّ قدر..
بعض الناس يمضي في سبيله...
وبعضهم يتمهل...
بعض الناس حرّ...
وبعضهم مقيّد...
وأنت الحرُّ الذي استعجل لقاء حبيبه..
أيها الأمين..
قدماي واهنتان من عبء قلبي..
وبقيتُ كجثة افترشت الأرض والتحفت السماء..
جثة قيمتها أنها تعيش السكون على مضض..
ولكن هيهات أن تستكين فنداؤك يناديها من الأعماق..
ويستصرخها لكي تقف بنشوة عارمة..
ولطالما تحملت شوك وردك فأورق وزها..
ولطالما انسابت ترانيم قلبك في من حولك لتوقظها من سباتها..
أيها الأمين..
لقد غابت كلماتك في كتاب ربك..
واختفت حروفك في تلاوة مستديمة..
وكأنك خاطبت ربك في شهره المبارك لتقول:
هل كتبتني من الصائمين؟
هل كتبتني من القائمين؟
هل كتبتني من المخلصين؟
هل كتبتني من المسبحين المستغفرين؟
بل كتبك أيها الأمين من الشهداء الصابرين..
رحلت إليه وأنت تناجيه:
هذا يا إلهي حبي لك..
وهذا عشقي احتضن ملكوتك..
وغام في شهودك..
والتهبت جوانحي فيك دون غيرك..
وسيكون هذا الحب دليلي إليك..
فجللني بخالصة توحيدك.