أغلب المسلمين يعيشون ثقافة ماضوية
المتابع بشكل دقيق لعالم لتويتر بالتحديد يجد المساحة الكبيرة من الصراع الطائفي بين المسلمين، وفي ظل الكلمات المحدودة التي لا تتجاوز 140 حرفا، إلا أنك تجد عبارات تقشعر لها الأبدان بعيدا عن الوطنية والخلق الإسلامي، خاصة عندما يتعلق الأمر بالشأن الأمني فتبدأ الاتهامات والقذف، غير مدركين ما رواء هذه الفوضى من تبعات لا يعلمها إلا الله، ولا أدري لماذا كل هذا الهرج والمرج واستباق التحقيق وسوء الظن، وتشخيص الموضوع في زاوية حادة لا تقبل القسمة على اثنين، العقلاء والوطنيون يقولون إن هذا شأن أمني والدولة تقرر ما تريد، دعونا من هذه الرائحة النتنة التي أسمها طائفية، على الغيارى من أبناء هذا البلد الطيب أن يدركوا أن هناك من يسعى جاهدا لزعزعة الأمن بين أبناء المجتمع الواحد.
الطائفية مرض نفسي، وهو نتاج ثقافة قائمة على الجدل والإثارة المشبعة بالأفكار المشوشة، وقد أطرتها جماعة طائفيون من شتى التيارات والمذاهب بمختلف مشاربها.
يا ترى من المستفيد من وراء الهاشتاق، وما هي الغاية من وضعه تحت أسماء وصور واضحة للعيان تنضح بالطائفية؟ من الضروري معاقبة كل صاحب هاشتاق يحث على فتنة اجتماعية فكرية دينية اقتصادية سياسية، لأن مثيري الطائفية لا يحملون إلا لونا واحدا كاتما مزعجا ينمو ويترعرع ويكبر ويتغذى في الظلام.
من زرع في قلبه حب الوطن والمواطنة دافع عنها بكل معاني الحب والولاء والإخلاص لقيادة الدولة، وكان لزاما وتلقائيا نبذ كل أشكال الطائفية مهما كان مصدرها، سواء من موروث ديني تربى عليها أعطى مبررا لإقصاء الآخر ونفخ في نار السب والقذف والتعدي على رموز من يختلفون معه عقائديا وفكريا، نحن نعيش تحت نظام دولة حريصة كل الحرص على أمن الوطن والمواطن، وهذا يعني التعاون في صناعة السلم الاجتماعي الذي أكد عليه قادة الوطن في جميع مناسباتهم المختلفة.
الأقلية الدينية ليست عيبا كما ينادي به البعض، وعلى المخلصين لهذا البلد أن يبتعدوا عن ثقافة المطالبات التي من شأنها الإضرار بحقوقها ككل، وهنا أتذكر مقولة رائعة في كتاب وصايا للمفكر الإسلامي محمد مهدي شمس الدين، قال أوصي أبنائي إخواني الشيعة الأمامية في كل وطن من أوطانهم، وفي كل مجتمع من مجتمعاتهم، أن يدمجوا أنفسهم في أقوامهم وفي مجتمعاتهم وفي أوطانهم، وأن لا يميزوا أنفسهم بأي تميز خاص، وأن لا يخترعوا لأنفسهم مشروعا خاصا يميزهم عن غيرهم، لأن المبدأ الأساس في الإسلام - وهو المبدأ الذي أقره أهل البيت المعصومون، - هو وحدة الأمة، التي تلازم وحدة المصلحة، ووحدة الأمة تقتضي الاندماج وعدم التمايز. وأوصيهم بألا ينجروا وألا يندفعوا وراء كل دعوة تريد أن تميزهم تحت أي ستار من العناوين، من قبيل إنصافهم ورفع الظلامة عنهم، ومن قبيل كونهم أقلية من الأقليات لها حقوق غير تلك الحقوق التي تتمتع بها سائر الأقليات.
هذا الحديث هو ما دعا إليه أئمة أهل البيت - - والصحابة معا، في رفض كل ما يؤلب المجتمع بعضه بعضا، والسعي للحفاظ على استقراره بعيدا عن ثقافة ظلم الأقليات، وهنا جوهر الطائفية. التآلف هي مرحلة متقدمة من المواطنة والاعتراف بالآخر، وقد حث القرآن الكريم بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ وقوله تعالى ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ولكن اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾.
أعتقد أن المعضلة التي يعيش أغلب المسلمين هي ثقافة ماضوية، وأن مشاكلنا اليوم والتي أنتجت الطائفية لم تأت من فراغ، وليست وليدة اليوم، بل من نتاج الماضي واستمراره، لذا يجب العودة إلى تاريخنا لنتفهم على ضوئه، الحاضر ومآسيه ونخطط لمستقبل أفضل. والمضي قدما لبناء مجتمع قوي قادر على تجاوز التحديات والخلافات، لن يعيش وطن تعيش في أحشائه الطائفية عنوانا، ولن يستقر مجتمع إلا بالحب للآخر والمساهمة والتعاون والتكافل يدا بيدا، الوطن يستحق منا أن نضحي من أجله بدون مقابل، ولن يستطيع المتربصون الطائفيون اختراق أواصر الألفة ما دام هناك سد منيع اسمه وطن.