آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 6:47 م

محمد بن سلمان: طموحٌ يعانق عنان السماء

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

«في حال كان الشعب السعودي مقتنعا، فعنان السماء هو الحد الأقصى للطموحات»... بهذه العزيمة لخّص الأمير محمد بن سلمان، رؤيته الطموح لمستقبل السعودية؛ حيث تُوظف جميع الطاقات، بعزيمة وتحدٍّ للدفع نحو المستقبل، لا شيء سوى المستقبل.

يلخص الأمير الشاب، الذي يمثل تطلعات أكثر من 70 في المائة من سكان بلاده، أن الإصلاح لا سقف له ما دام يتجه نحو البناء والتقدم. في حديثه لصحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، «نشرته الثلاثاء 18 أبريل/نيسان الماضي» قال الأمير محمد بن سلمان، الذي عُين أمس وليا للعهد، إن «الشرط الأساسي والجوهري للإصلاح هو رغبة الشعب في التغيير»، مضيفاً: «الأمر الأكثر إثارة للقلق هو إذا ما كان الشعب السعودي غير مقتنع، وفي حال كان الشعب السعودي مقتنعاً، فعنان السماء هو الحد الأقصى للطموحات».

تصف مجلة «فورين أفيرز» الأميركية خطة الإصلاح التي يقودها الأمير محمد بن سلمان ولي العهد، بأنها «أكبر عملية إصلاح للدولة والمجتمع السعودي»، وتنقل عنه قناعته بالقدرة على إقناع كثير من الممانعين لخطوات الإصلاح مهما كانت جريئة عبر التواصل والحوار.

القفزة الإصلاحية الأولى، كانت بلورة «رؤية السعودية 2030»، التي تهدف إلى الحد من اعتماد اقتصاد المملكة على النفط، مع تحفيز الصناعات التحويلية وقطاعات التعدين والخدمات وتنمية قطاع الترفيه.

تحفيز الاقتصاد لكي يتحرر من هيمنة المصدر الوحيد وهو النفط، يأتي ضمن الرؤية إصلاحية أشمل تسعى لتحويل التنوع الاقتصادي ومشاركة الناس في التنمية كمحفز للتغيير في المملكة.

جاءت الرؤية في ظل انكماش اقتصادي حاد ناتج عن تراجع إيرادات الدولة بسبب انخفاض أسعار النفط، لكن مع مزيد من الشفافية والمصارحة التي قادها محمد بن سلمان، أمكن احتواء الأثر الأكثر سلبية في النمو الاقتصادي، مع تباطؤ النمو ومحاولة الحكومة خفض عجز الموازنة، نتذكر أن العجز بلغ مستوى قياسيا عند 367 مليار ريال «98 مليار دولار» في 2015.

لكن التدابير التي اتخذتها الحكومة منذ ذلك الحين مكنتها من تحقيق تقدم أفضل من المتوقع في ضبط المالية العامة، ليصل عجز الموازنة في الربع الأول من العام الجاري إلى 26 مليار ريال «6,9 مليار دولار»، وهو ما يقل كثيرا عن توقعات أولية لعجز قيمته 56 مليار ريال.

وفي مقابلة مع التلفزيون السعودي «2 مايو/أيار الماضي» قال الأمير محمد بن سلمان، إن برامج الرؤية حققت إنجازات كثيرة جدا أبرزها انخفاض نسبة العجز دون توقعات المحللين داخل وخارج المملكة وزيادة الإيرادات النفطية إلى نحو 200 مليار ريال على مدى العامين الماضيين من 111 مليار. وأضاف قائلا: «ضبط الميزانية أصبح أدق بكثير... من ميزانية في آخر سنة ينفق أكثر منها بنسبة من 25 في المائة إلى 45 في المائة إلى ميزانية ينفق فيها فقط أقل من عشرة في المائة».

وتابع يقول: «في الأزمة هذه انخفضت أسعار النفط بشكل حاد جدا لم يشهده تاريخ المملكة العربية السعودية وبشكل متسارع جدا حتى وصل إلى 27 دولارا في فترة وجيزة... لكن استمر نمو الناتج المحلي الإجمالي... صحيح أنه أقل من المعدل العالمي لكن لم ندخل في مرحلة انكماش للاقتصاد السعودي».

يضيف: «أخذنا فترة أشهر بسيطة حتى عدنا إلى الخانة الطبيعية، بينما في الحالات السابقة في تاريخنا وتاريخ الدول الأخرى تأخذ سنوات حتى تعود إلى مسارها الطبيعي». وأكد الأمير محمد أن الدين العام للمملكة لن يتجاوز 30 في المائة خلال 2017 و2018.

يسعى ولي العهد لتوظيف أهم مصادر القوة في المجتمع السعودي وهو الشباب، يقول لـ «واشنطن بوست»: «أنا شاب، و70 في المائة من مواطنينا هم من الشباب. نحن لا نريد أن نضيع حياتنا في هذه الدوامة التي كنا فيها طوال 30 سنة الماضية بسبب الثورة الخمينية، والتي سببت التطرف والإرهاب، نحن نريد أن ننهي هذه الحقبة الآن، نحن نريد - كما يريد الشعب السعودي - الاستمتاع بالأيام المقبلة، والتركيز على تطوير مجتمعنا وتطوير أنفسنا كأفراد وأسر، وفي الوقت نفسه الحفاظ على ديننا وتقاليدنا، نحن لن نستمر في العيش في حقبة ما بعد عام 1979».

أرست «رؤية السعودية 2030» التي أعلنها الأمير محمد بن سلمان في 24 أبريل 2016، قواعد جديدة للتغيير في بلد محافظ، التغيير القائم على فتح النوافذ والأبواب والتواصل مع العالم مع التمسك بالثوابت الاجتماعية، ومثلما كانت الرؤية تشق طريقا نحو التجديد والتغيير، كانت تمثل انطلاقة جديدة للثقافة السعودية باعتبارها أحد أهم محركات التحول الوطني نحو التنمية البشرية.

تسعى الرؤية لتطوير قطاع الثقافة في المملكة، وتأسيس مراكز حاضنة للإبداع، وتوفير منصات للمبدعين للتعبير عن أفكارهم وطموحاتهم، وكذلك خلق صناعة ثقافية تُعنى بالفنّ والمسرح والسينما، والأنشطة الفنية والتشكيلية، وتحويل الثقافة إلى عنصر رئيسي للتواصل بين الناس، ورافدا للاقتصاد.

كما تعزز الرؤية اتجاه السعودية لتوسيع قاعدتها الثقافية، وتطوير البنية التحتية لقطاع الثقافة والترفيه، لتصبح جزءًا من تحسين مستوى معيشية المواطن السعودي، ورافدا حضاريا واقتصاديا للبلاد.

وفي عرضه لهذه الرؤية، قال الأمير محمد بن سلمان إن المواطن السعودي يتمتع بمستوى دخل مرتفع مقارنة بالدول الأخرى، ولكن «المشكلة لا توجد الأدوات التي يستطيع أن ينفق فيها هذا الدخل بشكل ينعكس على رفاهيته في الحياة».

وأضاف: «نجد دولا أخرى أقل منا بكثير في مستوى الدخل والوضع الاقتصادي، لكن المستوى المعيشي جيد، لأن «المواطن» لديه فرص ترفيهية جيدة، ولديه فرص ثقافية جيدة، وبيئة جيدة تجعله «بالرغم» ينفق الدخل الضعيف الذي لديه، ويستمتع به». وقال الأمير محمد بن سلمان، إن «الترفيه والثقافة سيكونان رافدين مهمين جداً، في تغيير مستوى معيشة السعودي، خلال فترة قصيرة».

وتحدث عن خطط لإنشاء أكبر متحف إسلامي في العالم، وستحرص الرؤية على مضاعفة تسجيل المواقع الأثرية في السعودية في منظمة اليونيسكو، وتساءل الأمير محمد بن سلمان: «هل من المعقول أن تكون قبلة المسلمين التي هي في السعودية، وأهم بلد إسلامي، ولا تملك متحفا إسلاميا، يمكن أن يزوره من يريد التعرف على الثقافة الإسلامية». ومضى يقول: «هذا أمر غير منطقي تماما، وهذا يدل على الشح في الخدمات الثقافية إلى نحتاجها في السعودية».

أهم ما ميز السنوات الأخيرة التي كان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أحد أبرز محركات التغيير فيها، الروح الشبابية الهادرة التي تدفقت في شرايين الدولة والمجتمع في السعودية، الروح الوثابة القوية التي تمتلك طموحا وطاقة هائلة لمجابهة التحدي وتذليل الصعاب، مع بلورة روح وطنية تطوق عواطف السعوديين وتصهر طاقاتهم.

في حواره المهم مع الصحيفة الأميركية قال ولي العهد، إن «عنان السماء هو الحد الأقصى للطموحات»، وهو ما يراه السعوديون حقيقة شاخصة أمامهم، ولعل هذا الطموح أهم محفزات التغيير للانطلاق نحو المستقبل.