ثقافة الصراع
تختلف إدارة الصراع، تبعا لطبيعة الاختلافات القائمة، بين الأطراف، فهناك صراعات لا تتطلب جهودا كبيرة لإنهائه، بينما تحتاج بعض الصراعات الى مواجهة دامية، نظرا لفشل جميع الحلول الدبلوماسية، لتقريب وجهات النظر، وانعدام تغليب الخيارات السلمية، على أزيز الرصاص، وتحريك الجيوش.
الصراعات على اختلافها، عملية طبيعية لدى البشر، اذ لا يمكن تصور تطابق جميع، الاّراء لدى العقول البشرية، فالمستويات التعليمية، والطموحات الشخصية، تمثل عناصر أساسية، في ظهور التباين داخل المجتمع الواحد، الامر الذي ينعكس على صورة تباعد في التفكير، بيد ان الاختلافات تبقى ضمن حالة التطور الطبيعي، لدى بعض المجتمعات، ولكنها تقود الى تناحر معنوي، ومادي، لدى بعض الكيانات البشرية، مما يدخلها في انهر من الدماء، في سبيل فرض السيطرة عليها، وتحكيم الرأي الواحد.
الإحساس بالقوة، عامل أساسي في تشنج احد الأطراف، لفرض الحلول السلمية، فهي تنطلق من قدرتها تمريغ على أنف العدو في التراب، مما يدفعها للتمسك بمطالبها، دون النظر للعواقب المترتبة، على السير باتجاه الحلول الحربية، خصوصا وان اندلاع المعارك العسكرية، يخلف اثارا تدميرية شاملة، سواء على الصعيد البشري او المادي، وبالتالي فان الطرف القوي، يتحرك من مبدأ الخسائر الكارثية، التي سيكبدها الطرف الاخر.
التعاطي بواقعية، في حلحلة الصراعات على اختلافها، تشكل مفتاحا لكافة الأزمات المعقدة، فالبحث عن الانتصارات فوق الجماجم، وإراقة الدماء، يحقق مكاسب انية سواء عسكرية، او سياسية، بينما يترك اثارا سلبية في النفوس، مما يولد الأحقاد التي تبقى مدفونة تحت الرماد، لكنها سرعان ما تندلع مع اول فرصة سانحة، بمعنى اخر، فان التحرك بالاتجاه العقلانية، لإخماد الصراعات، يمثل الخيار الأنسب لابقاء العلاقات الإنسانية، ضمن المسار الطبيعي، في الكيانات الاجتماعية.
الكثير من الصراعات البشرية، تبزر نتيجة بعض الاطماع الشخصية، او جراء الاختلافات، في التوجهات السياسية، او الفكرية او الاقتصادية، فالبعض يتطور على صورة حروب، لا تبقي ولا تذر، مما يخلف الكثير من المآسي، والاحزان داخل الكيانات المتصارعة، بينما تتغلب الحكمة، والاستماع لصوت العقل، على العديد من الصراعات، بحيث تبقى ضمن الحدود المسموح، كطبيعة بشرية، قائمة على تباين وجهات النظر، فيما تتمكن الجهود الصادقة في بعض الاختلافات الاخرى في لجمها، واقتلاعها من جذورها، مما يعيد الوئام، وصفاء النفوس بين الفرقاء، الامر الذي يسهم في المحافظة على مقدرات، تلك الأمم من الضياع، لاسيما وان الصراعات الحربية، والسياسية، والاقتصادية، تستنزف الكثير من الموارد المالية، جراء الإنفاق الحاتمي في مختلف المجالات.
عملية تحجيم الصراعات، مرتبطة بوجود قيادات، قادرة على احتساب الربح والخسارة، اذ تقوم بإجراء معادلة حقيقية على ارض الواقع، من اجل اتخاذ القرار المناسب، والذي يخدم المصالح الاجتماعية، والوطنية بالدرجة الأولى، خصوصا وان الأقدام على مغامرة غير محسوبة النتائج، يشكل خطورة كبرى على الوضع القائم، والمستقبلي في الوقت نفسه، اذ يمكن تلمس النتائج الكارثية المترتبة، على الحرب العالمية الثانية، التي قادها هتلر على الشعب الألماني، فقد بقي المجتمع الألماني رهين، إرادة القوى المنتصرة لعقود طويلة، الامر الذي ساهم في تقسيم البلاد، الى شطر تحت النفوذ الغربي بقيادة الولايات المتحدة، والشطر الاخر تابع للفلك الاشتراكي، بقيادة الاتحاد السوفياتي السابق.