البوذية
قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ «257» البقرة.
قال الإمام الحسين أمير الشهداء : «لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليلِ ولا أقر إقرار العبيد».
اجتمعنا لتسجيل أحداث حلقتنا هذه بعد منتصف شهر رمضان، أي بعد ذكرى مولد الإمام الحسن وقبل ذكرى وشهادة والده أمير المؤمنين ، وقد تغير موقع الاجتماع وتعير وقته، حيث كان لدينا موعدا طبيا في احد الدول المجاورة وفي صبيحة احد تلك الأيام، فطلبت الحاجة أم الأولاد إجراء حديثنا هذا خلال فترة انتقالنا بالسيارة ذهابا وإيابا، قتلا للملل وإجهازا على المسافة
ومع تحرك السيارة بدأت الحاجة حديثها متسائلة: لقد اطلعت على بعض معالم البوذية، وتعرفت على دواعي قيامها، ولكن أود عمل مقارنة علمية بينها وبين الثورة الحسينية.
دعينا يا حاجة نطالع ابتداء على دواعي قيام البوذية، فهاتي ما عندك؟!
إن شاء الله يا حاج.
كما يقول المؤرخون كان بوذا من أبناء الملوك الآرية الغزاة الذين احتلوا الهند فيما قبل ميلاد المسيح والذين كانت ديانتهم الهندوسية.
وكيف تنظر الهندوسية إلى الدين والناس، يا حاجة؟!
يواصل المؤرخون قائلين: الهندوسية تقسم الناس إلى ثلاثة مراتب.
وما هي المرتبة الأولى، يا حاج؟!
المرتبة الأولى: البراهمة وهؤلاء هم الكهنة.
وما هي المرتبة الثانية؟!
المرتبة الثانية: المحاربين ومنهم الجنود والملوك.
وما هي المرتبة الثالثة؟!
والمرتبة الثالثة: وهم المنبوذين والعبيد وهم عموم أهل الهند الأصلين.
وما هي الفوارق الأساسية بين هذه الأصناف الثلاثة، يا حاجة؟!
يذكر المؤرخون: يحق للكهنة والمحاربين الاستعباد والاستيلاء على أنفس وممتلكات المنبوذين دون أن تطالهم سلطة القانون.
جيد يا حاجة، لقد أخذنا فكرة عامة مقتضبة عن الهندوسية، والآن ماذا عن البوذية متى بدأ دورها؟
يقول المؤرخون: كانت ولادة البوذية بعد زواج بوذا وإنجابه العيال والأولاد، واعتزاله الحكم ونبذه كل ملذات الدنيا حلالها وحرامها، ومعيشته في الغابات بعيدا عن حياة الملوك والأمراء، ليطلع عن قرب على حياة عامة الشعب، ويشاهد مآسيهم ومعاناتهم، محاولا الحصول على الحكمة.
وماذا كانت تعاليم البوذية؟
يذكر المؤرخون: تعتبر البوذية انقلابا على الأفكار الهندوسية وعلى البرهمية على وجه الخصوص، التي تؤمن بتقسيم الناس واستعبادهم. والبوذية تمنع معتنقيها من كل ما يؤدي إلى العبودية النفسية والخارجية، وعلى احترام الإنسان مهما كان أصله، وعمل كل ما هو حسن، والابتعاد عن كل ما هو مشين.
إذا كانت هذه تعاليم البوذية، فهي تعاليم سماوية كما جاء بها الأنبياء والرسل، فهل كان بوذا نبيا أو رسولا؟
لم يؤثر في كتابات البوذية أن بوذا ذكر أنه رسول أو نبي، مع أن بعض من أتباعه أوصله إلى حد الإلوهية، ولكن بعض المحققون يعتقدون لما تتصف به البوذية من السمات السماوية، أن البوذية بدأت ديانة سماوية ومن ثم حرفت.
ها قد وصلنا إلى المستشفى، فعلينا أن نترجل، ومن ثم نكمل حديثنا في طريق العودة.
خيرا إن شاء الله، يا حاج.
وفي طريق العودة بدأت الحاجة حديثها قائلة: اعذرني يا حاج، بعد تقديمنا فكرة مقتضبة عن الهندوسية والبوذية، اعتقد انه قد حان الوقت لعقد مقارنة بين البوذية والثورة الحسينية؟
أحسنت يا حاجة، المقارنة هنا مهمة جدا لأنها تبين نقاط التقاء البوذية مع الثورة الحسينية ونقاط افتراقهما.
فما هي نقاط التقاءهما، يا حاج؟!
يقول المحققون: أن أول نقاط التقاء الحركتين هو بقائهما منذ يوم انبعاثهما حتى يومنا هذا لم يندثرا ويغيب ذكرهما من الدنيا، رغم ما مر عليهما من السنوات الطويلة.
ما هي النقطة الثانية؟
النقطة الثانية: انقلابهما على الوضع الراهن في أيامهما.
وما هي نقطة الالتقاء الثالثة؟
النقطة الثالثة: مطالبتهما بتحرير الإنسان من عبودية نفسه وعبودية الآخرين له.
الآن يا حاج، أود الاطلاع على نقاط اختلافهم، حتى نوجد مقارنة علمية كاملة؟!
يا حاجة، إن نقاط اختلافهما كثيرة، ولا تستطيع هذه العجالة الإلمام بها جميعها، لكننا سوف نبين أهمها.
تفضل يا حاج.
يعتقد المحققون أن أول الفوارق هو البقاء دون تحريف.
وماذا يقصدون من هذا الاصطلاح، يا حاج؟!
يقصدون بقاء أفكارهما كما هي لم يحرفها المريدون والمعتنقون لهما بعد قتل أو انتقال صاحب الحركة إلى جوار ربه.
نعلم أن الحركة أو الثورة الحسينية لم تمت أفكارها ولم تندثر إلى يومنا هذا، أما عن البوذية لا أعلم، فتفضل اسمعني ما اطلعت عليه، يا حاج؟!
يذكر المحققون أن البوذية حالها حال أكثر الأفكار الوضعية والديانات السماوية التي حرفت وتغيرت بمرور الأيام من قبل معتنقيها ومريديها بعد موت رسلها أو مؤسسيها، لتناسب أهوائهم وميولهم.
وما هو الفارق الثاني كما يعتقد المحققون، يا حاج؟!
الفارق الثاني هو عدد المريدين والأتباع.
وهل هناك فرق في أتباع كل من الحركتين، يا حاج؟!
إن عدد أتباع البوذية يتجاوز اليوم أربعمائة مليون إنسان «*»، وأكثرهم متمركزين في شرق القارة الأسيوية. وعدد أتباع الحركة الحسينية هو ضعف عدد أتباع البوذية، بل أكثر، وموجودون في جميع أنحاء العالم، مع أن الثورة الحسينية بدأت في عام ستين من هجرة جده الرسول ﷺ، ولم تكمل حتى الآن أربعة عشر قرنا، والبوذية بدأت في القرن الخامس قبل ميلاد المسيح .
وما هو الفارق التالي يا حاج؟!
الفارق التالي: الحركة السياسية والمواجهة العسكرية.
وماذا يقصد المحققون من هذا المصطلح؟!
يقصدون احتياج الحركة الإصلاحية إلى المواجهة السياسية والعسكرية لتتمكن من تثبيت فكرها وبث رؤيتها، ونحن نعلم المخاطر الجسيمة والتضحيات الكبيرة التي يواجهها ويقدمها من يقوم بهذا العمل.
نحن على علم بالمخاطر التي واجهها الإمام الحسين والتضحيات التي قدمها، فلا داعي لإعادتها والتذكير بها هنا، لكن ما هو حال بوذا في هذا الخصوص، يا حاج؟!
لم يقم بوذا بحركة سياسية أو عسكرية، لأنه غير محتاج لذلك فهو ملك ابن ملك، فمن يستطيع أن يقف أمامه. ولم يقدم أي تضحيات تذكر، ولم يقتل أهله وأصحابه من أجل أفكاره ومعتقداته، ولم يجر إلى المواجهة، بل لم يقف في وجه ظلم واحتكار أبيه وجده، فكلا منهما كان رئيس قبيلة، فكل ما قام به هو رياضة شخصية وتهذيب نفساني.
ما هو الفارق الأخير بين الحركتين، يا حاج؟!
الفارق الأخير هو المدة التي استغرقتها كل من الحركتين لتعلن عن أفكارها.
نحن لسنا بعيدين عن أفكار الإمام الحسين والمدة التي استغرقها ليفصح عن حركته، التي لم تزد عن يوم كربلاء حين قال: «لا أعطيكم بيدي إعطاءَ الذليلِ ولا أقر إقرار العبيد». أما عن بوذا فهذا لك لتبين ذلك، يا حاج؟!
لقد استغرق بوذا العشرات من السنين ابتعد فيها عن أهله وذويه ومنطقة سكانه وعاش داخل الغابات والأحراش حتى استطاع أن يصل إلى الحكمة التي ينشدها ويدلي بتعاليمه وآراءه.
نحن نعلم يا حاج، إن الإمام الحسين بعد أن أوضح هدفه من حركته تلك قتل هو وأصحابه ومزقوا شر ممزق، وسبيت نساءه وأطفاله، وأخذوا من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام، فماذا حدث لبوذا بعد أن أفصح عن أفكاره ورؤيته.
صدقت يا حاجه، عن الإمام الحسين ، فماذا تتصورين في بوذا فهو ملك ابن ملك، فلقد عاد إلى أهله ومملكته، وعاد يمارس حياته الطبيعية من جديد.
إذا فما هو الفارق الذي قدمته له هذه العزلة والابتعاد، يا حاج؟!
عاد إلى الملك والحكومة، لكنه عاد يملك زمام نفسه، ولم تعد النزوات والرغبات الشخصية تتحكم فيه، بل هو من يديرها يقودها إلى حيث يريد، وبإمكاننا أن نضعه في صف الرجل الصالح لقمان الحكيم.
هناك فارق كبير بين الحركتين، ولكننا لا نبخس بوذا حقه فيما قام به، فهو جهد يشكر عليه في تهذيب النفس وإصلاحها، عمل لا يتسنى لكل احد.
اعتقد أن هذا يكفي فلقد وصلنا إلى ديارنا، وعدنا إلى بيتنا.