ثقافة العرف
المفردات الثقافية السائدة في المجتمع، ليست دستورا مكتوبا، في مجموعة صفحات، او نصوصا مدونة في كتاب، بقدر ما تمثل مجموعة سلوكيات أخلاقية او اجتماعية، بحيث يصبح الخروج عليها خطوطا حمراء، الامر الذي يفسر الاستماتة في الدفاع عنها، بعض النظر عن صوابية تلك الممارسات او انحرافها، فهناك أطراف مستعدة للتضحية في سبيل الحفاظ، على تلك السلوكيات الاجتماعية، باعتبارها خط الدفاع الأول والأخير، وبالتالي فان سقوطها يمثل استمرار الانحدار، والضياع في نهاية المطاف.
الثقافة الاجتماعية ليست على مقياس واحد، فهناك سلوكيات ما انزل بها من سلطان، ”إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ“، باعتبارها موروثات خاطئة تكرست بفعل سيطرة الجهل، والماكنة الإعلامية التي عملت على تجذيرها، في السلوك الاجتماعي الجمعي، مما يجعل اقتلاعها من الثقافة السائدة عملية صعبة، وتتطلب الكثير من الجهد، والاستعداد للتضحية بالمال والنفس، ﴿قَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُكُمْ وَقَالُوا مَا هَٰذَا إِلَّا إِفْكٌ مُّفْتَرًى﴾، فالقرآن يتناول الثقافة الاجتماعية الخاطئة السائدة بإسهاب كبير، من خلال الصراع الكبير الذي خاضه الأنبياء، مع الأقوام لتصحيح المسارات المعوجة، جراء تفشي ثقافة الجهل القائمة، على الشرك بالله، وعبادة الأصنام، وغيرها من الممارسات الخاطئة.
على النقيض من السلوكيات السقيمة في المجتمع، توجد ممارسات سليمة، استطاعت احداث اختراق حقيقي، في العقل الجمعي، بحيث تمثل منارة تضيء الطريق المظلم، لدى بعض المجتمعات البشرية، خصوصا وان تلك السلوكيات تنسجم مع العقل السليم، والفطرة الإنسانية، غير الملوثة بتسربات الاهواء الشيطانية، مما يحفز على التحرك بتكريسها في المجتمع، باعتبارها احدى الوسائل الأساسية، لمقاومة التيارات المنحرفة، والساعية لجر المجتمع باتجاه الهاوية، والغرق في مستنقع الممارسات السقيمة.
لا يخلو المجتمع من ممارسات خاطئة، وأخرى سليمة، بيد ان رجحان كفة على أخرى، مرتبط بوجود القابلية، سواء باتجاه الخير او الشر، خصوصا وان هناك أطراف تقوم بدور محوري، في حث الناس على التمسك بالأخلاقيات الفاضلة، باعتبارها طريق النجاة في الدنيا والاخرة، فيما تمثل الاخلاقيات السيئة طريقا للضياع، وسيطرة قانون الغاب في المجتمع، بحيث يتحول القوي الى أسد مفترس يأكل أموال الضعفاء، دون وجه حق، ”ولا تكن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم“ كما قال امير المؤمنين في العهد الذي كتبه لمالك الأشتر حين ولاه على مصر.
تلعب السلطة الحاكمة دورا كبيرا، في توجيه المجتمع لاتخاذ احد الخيارات، انطلاقا من التوجهات السياسية، والدينية، والثقافية، لدى السلطة الحاكمة، ”الناس على دين ملوكهم“، ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ﴾، بمعنى اخر، فان الخيارات في بعض الأحيان، ليست متاحة للمجتمع، لاختيار الطريق، جراء وجود سلطة تنفيذية، تمارس دورا كبيرا، في للتلاعب في المفردات الثقافية، وتحديد المسارات السلوكية، اذ تمثل المناهج التعليمية ابرز الوسائل، التي تفتح جميع الأبواب امام السلطات، للتحكم في السلوك الاجتماعي، بهدف خلق واقع ضاغط، على مختلف العناصر المناهض، للممارسات الخاطئة، نظرا لوجود معارضة اجتماعية قوية، تشربت وآمنت بالواقع المعاش، وكذلك نتيجة الافتقار للأدوات الإعلامية، القادرة على تصحيح المسار السقيم.