آخر تحديث: 12 / 12 / 2024م - 6:47 م

الواقعية.. بعيدًا عن التضليل

ياسين آل خليل

البحث عن الحقيقة والأصالة والصدق والصراحة صار ديدن الكثير من الناس بعد أن أنهكهم الكذب والخداع والغش والتضليل. لا أحد ينكر عليك تبنيك ذكائك العاطفي في الكثير من تعاملاتك الشخصية مع الكثير من الأمور الحياتية التي تهمك، شرط أن تكون مخرجاتك العاطفية أصيلة وواقعية بعيدة عن زيف المشاعر وإفك الكلام.

استعراض الكثير من الصفات وإبرازها على أنها مرتبطة ب ذكائك العاطفي، أمر قد لا ينطلي على الكثير، بالإضافة إلى أنه لا يغنيك البتة، إذا لم تكن مشاعرك حقيقية وصادقة لا يشوبها نفاق أو يعتريها زيف بأي حال من الأحوال. الآخرون لا يهمهم كثيرًا ما أنت عليه من ذكاء عاطفي بقدر رغبتهم في التعرف على حقيقة مشاعرك وأصالتها.

الناس الواقعيين لا يسعون لخلق نسخ من البشر تطابق مواصفاتهم الشخصية. كما أنهم لا يهتمون كثيرًا بالظهور على المنصات وأمام كاميرات الإعلاميين. هم يعرفون تمامًا أنهم عندما يتحدثون بطريقة واثقة وودية فإن الكثير من المستمعين سيكونون أكثر اهتمامًا وانتباهًا. ولأنهم منفتحون، الكثير من الناس يتوددون إليهم رغبة منهم بأن يحظوا ولو بالقليل من الوقت للتحدث إليهم والاستماع إلى ما يبدونه من آراء صادقة ونزيهة.

معرفة الشخص لذاته الواقعية يغنيه عن الإتكاء على وجهات نظر الآخرين لاستخلاص السعادة التي يبحث عنها. التمسك بالقيم والمبادئ الحقة لا تترك مجالًا أو فرصة لهذا الإنسان للتأثر بمن حوله دون الإلتفات والإيمان بقدراته الذاتية. الكرم والسخاء يغلب على طابع هذه الشخصية، فهي تسعد لرؤية الآخرين يحققون نجاحات تلو أخرى لاعتقادها بأن نجاح الآخرين هو نجاح لها، وأي كرم يفوق هذا الكرم، عندما يتخلى الإنسان عن أنانيته.

بغض النظر عن مكانة الناس العلمية والاجتماعية، فهم يلقون نفس المعاملة والاحترام من نفس هذه الشخصية الواقعية. هذه هي طباع من تأصل فيه الرشد والنزاهة والصراحة. بعيدًا عن المظاهر البراقة والمقتنيات التي تعكس القالب المادي لكل من يستظل بها، الشخص الواقعي يستمد سعادته ورضاه من الداخل. لذلك الثراء الحقيقي في نظر الإنسان الواقعي هو إحساسه بصوابية أهدافه وقناعته بما في حوزته من أفراد يتبادل معهم الود والنصح دون أن تكون هناك من منيّة لأحد على الآخر.

من الطبيعي جدًا أن ترى الناس ينجذبون ويلتصقون بهذه النوعية من الناس الذين يمتازون بواقعيتهم بعيدًا عن التملق، لأنهم ومن خلال تجاربهم الحياتية يجزمون بأن هذه النوعية من البشر يمكن الثقة بهم، لأنهم وبكل بساطة يعنون ما يقولون ولأن الصدق حليفهم أينما كانت وجهتهم. طابع الهدوء هو المسيطر أولًا وأخيرًا، فلا حاجة لهم بأن يقفزوا إلى استنتاجات غير محسوبة أو أن يشعروا بالإهانة أو الرغبة في التآمر. قدرتهم على التقييم الموضوعي للأشياء يجعلهم يغضون الطرف عن الكثير من ردود الفعل السلبية والتركيز على تنفيذ خططهم بكل ثقة واقتدار.

يعيدًا عن الأضواء والتأثر بالآخرين وإنجازاتهم، يسعى الأشخاص الحقيقيون وأصحاب السمات الأصيلة لاتخاذ قراراتهم بناءً على رؤيتهم الواقعية والصادقة فيما يرونه مناسبًا وذو جدوى، لأنهم يمارسون ما تمليه عليهم دواخلهم دون أن يتحدثوا عن إنجازاتهم أو يتباهون بها. يكفيهم أنهم يعرفون أنفسهم حق المعرفة وأنهم سعيدون وواثقون بما فيه الكفاية بقدراتهم الذاتيّة المبنية على أسس متينة وعاتية تصمد أمام مختلف الأزمات، كالجبال الراسية التي لا تهزها الرياح ولا تجرفها تقلبات الأرض وما تختزنه من حمم ملتهبة.