آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 1:07 ص

ثقافة الفرد

محمد أحمد التاروتي *

تأهيل الفرد في المجتمع، عنصرا أساسيا في انتشاله من القاع، والوصول القمة، ومقارعة الأمم الأخرى، ومحاولة مواكبة التطور المتسارع، في الجوانب العلمية، والثقافية، وغيرها من المجالات المختلفة، لاسيما وان الاهتمام بالفرد، يعود على الشعوب البشرية، بالفائدة الكبرى.

تعمد الأمم المتقدمة، لتخصيص الموارد البشرية الضخمة، للاهتمام بالفرد منذ السنوات الأولى، فالرعاية الصحية الراقية، تعتبر احد أوجه الاهتمام، وكذلك الامر بتطوير العملية التعليمية الصحيحة، من اجل خلق جيل يمتلك القدرة على الإمساك، بزمام الأمور، ومواصلة المشوار، الذي قطعته تلك الأمم على الصعيد الداخلي، والخارجي.

الأمم التي تبهر العالم، بتقديمها السريع، في مختلف الجوانب الثقافية، والعلمية، انطلقت من مبدأ تمكين الفرد للانطلاق، بقوة في سماء العلم، والتفكير الحر، وكذلك تعزيز الروح الجمعية، من خلال تكريس الولاء للوطن، عبر البرامج التعليمية السليمة، منذ السنوات الأولى، وحتى المراحل الجامعية.

تبدأ مرحلة تقهقر الأمم المتقدمة، التي سادت خلال فترات معينة، مع تراجع الاهتمام بالفرد، وممارسة شتى أصناف القهر تجاه، مما يجعله غير قادر على الانطلاق، بقوة في تحطيم مختلف الحوافز المادية، والمعنوية، خصوصا وان فساد السلطة التنفيذية، ينعكس على مختلف المجالات، في الكيان الواحد، مما يؤدي الى خلق أفراد، غير قادرين على تحمل المسؤولية، وغياب الإخلاص، نظرا لتفشي الفساد الإداري، في جميع مفاصل الكيان، سواء كان صغيرا، او كبيرا.

تعزيز ثقافة الفرد الإيجابية، خطوة أساسية في خلق الإحساس الداخلي، تجاه البيئة التي يعيش فيها، مما يدفعه لمحاولة رد الجميل، عبر مواصلة الخطوات الهادفة، لتحقيق الارتقاء الحقيقي، بحيث يسعى كل فرد الى بذل الجهد، لتقديم الصورة المشرفة للمجتمع، الذي يترعرع فيه، بينما إشاعة الروح السلبية في الفرد، تنعكس على صورة تخلخل المجتمع من الداخل، مما يجعله غير قادر على مواجهة التحديات، والاخطار سواء الداخلية، او الخارجية، جراء انعدام الروح المسؤولية، التي تحفز على العطاء، بشكل دائم.

الثقافة الفردية، تمثل رافعة لمرتكزات، المصلحة الجمعية، فالثقافة الدينية تولي الفرد أهمية واضحة، باعتباره لبنة أساسية في جدار المجتمع، ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى فالقرآن صريح، في تعزيز الثقافة الإيجابية لدى الفرد، فالانسان مطالب بتأديبة واجبة، دون النظر الى الاخرين، فهو يتحمل تبعات أعماله، وعليه بذل المزيد من الجهد، لتحقيق النجاح تلو النجاح، للارتقاء بالمجتمع، بين الأمم الأخرى، و”كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته“.

عملية تكريس الثقافة الفردية، لا تغفل الروح الجماعية، باعتبارها عنصرا أساسيا، في إظهار القوة امام الاخرين، فالتركيز على استحباب صلاة الجماعة، في جميع الفرائض الواجبة اليومية، احدى مظاهر تعزيز الروح الجمعية، لدى الفرد، بمعنى اخر، فان الثقافة الفردية لا تعني الانغلاق على الذات، والعيش في جزيرة معزولة عن العالم، والمحيط الاجتماعي، ”يد الله مع الجماعية“ و﴿تعاونوا على البر والتقوى، وبالتالي فان الثقافة الفردية، تسخر لتعزيز الروح الجمعية، عوضا من الاقتصار على الذات، ”زكاة العلم تعليمه“.

كاتب صحفي