تجليات رمضانية - 13
إذا كان الصوم مرتبط ببر الأبناء للوالدين، وعدم الإساءة لهما.. أليس الصوم مرتبط بعطف الوالدين على أبنائهم؟..
من المبادئ الأساسية التي يكتمل معها نضج الفرد المؤمن: رحمة الكبير على الصغير.
يقول الرسول الكريم ﷺ في خطبة استقبال شهر رمضان: ”وَوَقِّرُوا كِبَارَكُمْ، وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ“. وكأنَّ الحديث عن جيلين، جيل الآباء والأمهات، وجيل الأبناء والبنات.. فكما يريد الإسلام للجيل الجديد أن يوقِّر الجيل القديم، بكلِ وسائل الاحترام والرعاية، كذلك يريد للجيل القديم أن يرحم الجيل الصغير في قلّة تجربته وضيق آفاقه إذا أخطأوا.
فالخطاب الموجَّه للكبار يدعوهم إلى يرحموا من هم أصغر منهم في السن، سواءاً كانوا أطفالاً لم يدخلوا معترك الحياة بعد، أم شباباً ينفتحون حديثاً على الحياة من دون خبرةٍ سابقة، أن يرحموا أحلامهم وآمالهم وتطلُّعاتهم، وأن يساندوهم ويكونوا إلى جانبهم في الرأي والمشورة، دون أن يفرضوا عليهم رأيهم بتعنُّتٍ واستكبارٍ.
فأولادنا قد يخطئون، وقد يفشلون؛ لأنّهم لم يملكوا تجربة الكبار، ولا معرفة لهم بدهاليز الحياة.. فعلينا أن نستوعبهم، وأن نسكب من عطفنا ما نرشده إلى الطريقة الصحيحة.
وللأسف إنَّ كثيراً من الآباء والأمهات يخفقون مع أولادهم، ولا يبدون اهتماماً في التجاوب مع المتغيرات، وهذا لا يعود إلى الطبيعة البشرية، وإنما إلى الطريقة التي ربينا بها، والتعليم الذي تلقيناه.
وفي مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، نلاحظ أنَّ الوالدين يبحثان دائماً عن التقدير والبر من أبنائهم، ويصران على ذلك، بينما ينسيان أن يسكبا من الرحمة والعطف على أولادهم ما يأملون منهم.
وحين يخفت صوت المنهج في بيوتنا، أو تشوه صورته، ولا يكون إلا الصوت الواحد، ولا شيء يعلو عليه، ولا صوت فيه للولد، فإنَّ المقاييس الذاتية تكون حينئذ هي البديل الجاهز، وهنا يصبح معه الإصلاح والتقويم أمراً في غاية الصعوبة.
ذلك أمر لا شك فيه، وحقيقة علمية مجردة من أي خيال أو انفعال.
فإذا كنا نصبو للتغيير في هذا الشهر المبارك، ونصبو لبيت إسلامي نظيف ومعافى، علينا أن نجهد باستلهام ما جاء عن الرسول محمد ﷺ وعترته الأطهار، ونتأسى بسيرتهم وقاية من الأهواء وانعطافاً نحو إبراز النظم الخلقية والسلوكية المنبعثة من أخلاق رسول الله ﷺ.
إنَّ الإسلام يرتقي بالمسلم من خلال الإيمان في النفس المؤمنة، ويطالبها أن تتعامل بلطف وإحسان وشفقة مع الأولاد، من خلال خطاب ”وَارْحَمُوا صِغَارَكُمْ“.
وكان من دعاء الإمام السجاد لأبنائه وبناته: ”اللَّهُمَّ وَ مُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدِي وَبِإِصْلَاحِهِمْ لِي وبِإِمْتَاعِي بِهِمْ. إِلَهِي امْدُدْ لِي فِي أَعْمَارِهِمْ، وَزِدْ لِي فِي آجَالِهِمْ، وَرَبِّ لِي صَغِيرَهُمْ، وَقَوِّ لِي ضَعِيفَهُمْ، وَأَصِحَّ لِي أَبْدَانَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ، وَعَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي جَوَارِحِهِمْ وَفِي كُلِّ مَا عُنِيتُ بِهِ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَدْرِرْ لِي وَعَلَى يَدِي أَرْزَاقَهُمْ. وَاجْعَلْهُمْ أَبْرَاراً أَتْقِيَاءَ بُصَرَاءَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لَكَ، وَلِأَوْلِيَائِكَ مُحِبِّينَ مُنَاصِحِينَ، وَلِجَمِيعِ أَعْدَائِكَ مُعَانِدِينَ وَمُبْغِضِينَ، آمِينَ...“.
إنه خطاب المرحمة في أعلى مقاييس الرحمة.