ثقافة خلط الأوراق
يلجأ البعض الى احداث الفوضى، واحراق جميع المراكب، انطلاقا من قاعدة ”الحرق المحروقة“، بهدف ادخال الجميع في دوامة، يصعب الخروج منها، فالسلوك الفوضوي مرتبط بوصول الى الطريق المسدود، مما يدفعه لانتهاج سياسة خلط الأوراق، لإيجاد بصيص أمل، للخروج من المأزق الشديد.
التلاعب بالأوراق، ومحاولة اللعب بالحبال، مع مختلف الشرائح الاجتماعية، عبر إطلاق مواقف متباينة، ومنسجمة مع رغبات بعض الأطراف الصديقة، والشريرة، يمثل أبرز مصاديق احداث فتنة اجتماعية، لا تبقي ولا تذر، فالبعض لا يتورع عن افتعال المشاكل، لإغراق الجميع في بحر الفوضى، انطلاقا من مبدأ ”الخير يخص والشر يعم“، بمعنى اخر، فان اكتشاف البعض لعواقب خياراته، في التعامل مع القضايا الحياتية، والاجتماعية، يدفعه نحو اعتماد الطريقة الانتحارية، باعتبارها الورقة الأخيرة، التي يمتلكها بعد فقدان جميع الأوراق المتاحة، التي تفتح الطريق أمامه، للوصول الى خط النهاية دون خسائر.
عملية خلط الأوراق، سياسة محفورة بالمخاطرة، خصوصا وانه طريق غير معروف النتائج في الغالب، فاللجؤ لهذه النوعية من الخيارات، مرتبط بحجم الخسائر، التي يتكبدها البعض في صراعه الاجتماعي، او الثقافي، سواء في الوسط الاجتماعي الصغيرة، او البيئة الشعبية الكبيرة، اذ يحاول الطرف الخاسر التعلق ببصيص أمل، لمحاولة كسب الوقت كمرحلة أولى، ومن اجل التفكير في إيجاد الحلول المناسبة، للخروج باقل الخسائر كمرحلة ثانية، فيما يكون التفكير في تحقيق الانتصار من الخيارات البعيدة، وغير المطروحة.
التحالف مع العدو، بعد خسران القاعدة الشعبية، تمثل احدى الوسائل المعروفة، في سياسة خلط الأوراق، اذ يتحرك الخاسر باتجاه الخصم، لتشكيل تحالف جديد، سواء على قاعدة الند بالند، او مبدأ التابع والمتبوع، فهذه الخيارات مرتبطة بالظرف الزماني والمكاني، سواء من الناحية السياسية، او الاقتصادية، لاسيما وان محاولة الخروج من مستنقع الوحل الاجتماعي، تشكل عنصرا أساسيا في إدارة الظهر للمجتمع، والبحث عن حلول، من خارج البيئة الاجتماعية الحاضنة، خصوصا وان الطرف الخاسر عمد في الفترة السابقة، لقطع كافة خطوط الرجعة، من جراء اتخاذ مواقف صادمة، ولا تنسجم مع الروح الإيجابية، والمصلحية الجمعية، بقدر ما تبحث عن المصالح الفردية، او المكاسب الوقتية، بعيدا عن الخيارات الاستراتيجية، التي تعود بالفائدة على الجميع.
الوعي الاجتماعي، يشكل عنصرا ضاغطا، في تقليص هامش المناورة، لدى حملة سياسة ”خلط الأوراق“، فكلما امتلك المجتمع القدرة على ادراك الأهداف المشبوهة، للخيارات المطروحة، لحلحلة بعض القضايا الشائكة، كلما ضيق الخناق امام ”فرسان“ المواقف غير الناضجة، في السير قدما في حر المجتمع نحو الهاوية، وبالتالي فان نجاح سياسة خلط الأوراق مرهونة، بوجود بيئة خصبة غير قادرة، على ادراك الأهداف الحقيقية، للخيارات المتخذة على ارض الواقع، خصوصا وفريق خلط الأوراق، يحاول تمرير مواقفه عبر تبيض صورتها، وووضع بعض المساحيق، لتجميل وجهها القبيح، بهدف الحصول على الضوء الأخضر، للسير قدما دون اعتراضات، اذ يحاول اشراك الجميع في خياراته الفاشل، كأحد المخارج للتغلب الخسارة التي مني بها، واغراق الجميع في بحر عميق، يصعب الخروج منه، مما يشكل انتحارا جماعيا، بغطاء المصلحة العامة.