آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:35 م

مقدمة في استراتيجية الإمام علي (ع)

صالح البراك

في قراءة الماضي وعيش الحاضر والاستعداد للمستقبل

هل نحن نريد علي القدوة أم علي الإعجاب؟

هل نحن نريد علي القدوة أم علي الكرامة والمعجزة، ام الإعجاب والانبهار والاستغراق، هل نريد علي التاريخ أم علي الواقع علي العقل والمنطق أم علي العاطفة أم نريدهما معا،

إذا أردنا علي القدوة فلا بد من قراءة الشخصية وتحليها تحليلا موضوعيا مجردا، لنقف على أبعادها لنصوغ منها دروسا علمية قابلة للتطبيق في حياتنا العملية بعيدا عن هالة القداسة التي كثير ما تصرف أفكارنا عن الاستفادة العملية من خلال قراءتنا للصفات والأفكار الذاتية والجهد الشخصي للإمام، وذلك لكي نميز بين ما هو بتوفيق من الله وذلك بعد بذل الإنسان جهده واجتهاده وبين ما هو كرامة ومعجزة تتطلبها الحالة «النبوة / الإمامة».

إلى الاستغراق في الكرامات والهبات الربانية والتي بالتأكيد تبهج نفوسنا ولكن ماذا بعد ذلك، هل الهدف منها فقط أن نحب أهل البيت ونعجب بهم أم الهدف منها الاقتداء بهم حيث بقدر ما نقتدي نرتقي إلى أسمى الصفات والأفعال، وما هي الطريقة والأسلوب الأمثل الذي يوصلنا إلى كلا الطريقين «الحب والإعجاب/ الأسوة والقدوة»، بالرغم من أهمية الحب والإعجاب والذي بدوره يمهد لنا طريق الاقتداء ثم الاهتداء إلا إننا كثيرا ما نجعل منه هدفا يتم الوقوف عنده والاكتفاء به.

فأنا عندما تظمأ روحي ويصدأ فكري أيمم نحو شاطئ بحر قصار كلماته، لأرى ذلك الطود العظيم الذي ينحدر عنه السيل وتعجز أن تبلغ أعلى قممه الطير، فأمد يدي علني احضى بغرفة من ذلك الزلال السلسبيل علها تبل روحي العطشى وأن لي بذلك وأطراف ثيابي ترفل في ملذات هذه الدنيا الدنية من أن تنال ممن سمى وعلى زهدا فيها بسوى رذاذ تطاير ليلامس ذرات حب للآل بقيت نقية في قلبي قد صانتها بركات المهدي الموعود.

وعندما لا ارتوي أدلج إلى محيط نهجه راكبا سفينة العشق والوله اشق عباب صفحاته متجولا بين درره ولآلئه، يقشعر شعر بدني عند ترنيم كلماته فأتدثر بها حينا واستنطق بها روح عليا واستنشق عبير نفحاته حينا أخر.

فأنهل منها ما ارتقى فكري إلى فهمه علنّي أجد ضالتي المنشودة وحبات عقدي المفقودة من ذلك المنجم الزاخر والبحر العباب والتي تجد الكثير منها على هيئة المواد الخام التي يستطيع الباحث أن يشكلها وفق حاجته ومطلبه دون أن تفقد بريقها وقابليتها لان تتشكل ظروفا وآنيتا لأغراض أخرى لما لها من الأوجه المختلفة، حيث تراها من بلاغتها وقصر جملها قد اختصرت الأسطر بل الصفحات بل الكتب.

وأنا هنا أريد أن أتحدث عما فهمته من إستراتجية الإمام علي في قراءة الماضي وعيش الحاضر والاستعداد للمستقبل حيث انه مد بصر فكره إلى الماضي فأستلهم الحكمة ومد بصر فكره وقلبه إلى المستقبل فأستلهم اليقين فأدرك سسن التاريخ وفهم قوانين الطبيعة وتأثير كل منهما على الآخر وتأثير سلوك البشر في كل منهما «وأغفر لي الذنوب التي تغير النعم».

وعاش بينهما الاستقامة مستعينا بعد الله بحكمة الماضي ويقين المستقبل، فامتلأ إيمانا ويقيناً وخشوعاً وعاش الرسالة والأهداف بكل وضوح وثبات فكانت رسالة «إحقاق الحق إلا أن أقيم حقا أو ادحض باطلا» وهدفه «السلامة في الدين ورضوان من الله اكبر» وشعاره «واجعلنا للمتقين إماما» وحيث سحر الرسالة الخالدة والأهداف الكبيرة والهمة العالية ومغالبة الضعف في جميع الحالات والشجاعة في جميع المواطن في ميدان الجهاد وميدان الصبر وميدان الموقف الاجتماعي وفي ميدان الاستقلال في اتخاذ القرار.

فرزق البركة والفاعلية والنجاح والسعادة في الدارين معا بكل أبعادهما سواءً على مستوى الظاهر أم على مستوى الباطن إذ أن النجاح هو بذل الإنسان أقصى ما يمكن بذله من الجهد والعطاء على جميع الأصعدة والميادين وتسنم الذروة في كل مجال يسلكه «لا ينبغي للعاقل أن يكون إلا في إحدى منزلتين: إما في الغاية القصوى من مطالب الدنيا، وإما في الغاية القصوى من الترك لها».