مدرسة الإمام المجتبى التكافلية
تلك الطبقة المحرومة والمستضعفة من الفقراء ممن أقعدهم كبر السن أو العجز والمرض عن العمل، وذلك اليتيم الذي افتقد المعيل واليد الحانية التي تكفكف دموعه، وتلك الأرملة التي تقصر يدها عن توفير مستلزمات الحياة الكريمة لنفسها وأولادها، يتطلع هؤلاء للأيادي البيضاء التي تواسيهم وتخفف عنهم وطأة الحياة الاقتصادية الصعبة، وتساندهم نفسيا على تقبل حياة الكفاف دون أي معيق عن ممارسة دورهم التنموي في المجتمع، فلا يمكن لأعذب الكلمات أن تصف بدقة ألم الحاجة وانكسار النفس عند فقد أبسط مظاهر الحياة، من لبس لائق وطعام يسد ألم الجوع وسكن يمتلك مقومات مناسبة الذي يضفهم ويؤيهم راحة وأمانا.
ليس هناك من انفراجة وطريقة لرفع اعتياز المحتاج مع الحفاظ على كرامته ووجوده في المجتمع، سوى تلك المظلة التكافلية والتي ترخي بظلال العطاء والإنفاق من أهل الكرم، ممن يستشعرون ألم الغير ويهرعون لنجدته وتفريج كربه دون انتظار جزاء أو شكر، من يغيبون ويسرون بعطاياهم مخلصين في عملهم فلا يهتمون لبريق الإعلام وتلميع الشخصيات والذي يسلبهم إخلاص العمل.
الوجدان الحاني على المحتاجين هو أجلى صور الروابط المتينة والراسخة بين الإخوة المؤمنين، فيجد الشخص المعطاء أن مسئولية جسيمة ملقاة على عاتقه برسم الابتسامة على الشفاه الذابلة والوجوه الكاحلة، فيبذل قصارى جهده لتوفير حاجاتهم وتلبيتها بعد عقد أواصر التعاون والتكاتف من الموسرين كلا بحسب قدرته، مسطرين بذلك أروع الأمثلة في الإنسانية الرائعة التي تحكم علاقات الأفراد بالحب والرعاية للضعيف لا بحسب المصالح الضيقة.
والإمام الحسن المجتبى برعايته للفقراء والمحتاجين يرسم معالم الإنسانية الفاضلة والعطاء المتألق في سماء القيم، فيحمل راية العطاء بأعلى درجاته بحثا عن الأفواه الفاغرة، فيلوذ به المحتاجون لعلمهم اليقيني بأنه لا يخيب الساعي بحاجته إليه، فهو بارقة الأمل للمساكين.
هذا الإشعاع المضيء في حياة المحتاجين جعلهم يشعرون بدفء الأمان والطمأنينة، ودعاهم لممارسة دورهم في الحياة بنحو طبيعي دون وجود معيق يقلقهم، ويعد وجوده إثلاجة للقلوب التي ألهبتها الحاجة فبرد ألم الجوع، وبلسم جراحهم النازفة وجبر خواطرهم، دون أن يخدش حياؤهم وعزتهم أو يفشي خصوصياتهم.
بل ولم يكن الإمام المجتبى لينتظر الفقير قيامه بالتجوال بحثا عمن يساعده، بل يبادر بالسؤال عن أحوال الناس ليقدم لهم يد العون قبل أن يريق ذل السؤال ماء وجوههم، وسترا على تلك الأسر المتعففة من اطلاع الآخرين على حقيقة أوضاعهم الصعبة.
الاهتمام بالعوائل المتعففة وتلبية أبسط مظاهر الحياة الكريمة لهم، هو امتداد لمدرسة العطاء والتكافل التي أسهم الإمام المجتبى في ترسية قواعدها وإشادتها.