ثقافة الهيمنة
الشعور بالقوة والنوازع الذاتية، والطموحات السياسة، والاقتصادية، تشكل عناصر أساسية، لممارسة الهيمنة، سواء فيما يتعلق بالعلاقات الإنسانية، او العلاقات القائمة بين الدول، اذ يتحرك القوي من منطلق حماية الطرف الاخر، لممارسة الابتزاز الاقتصادي والسياسية، بحيث يلجأ لاستخدام العصا الغليظة، او العين الحمراء، بمجرد ظهور بوادر لدى الطرف الضعيف، بمحاولة الخروج عن بيت الطاعة، او السعي للبحث عن حلفاء اخرين، او التحرك لتعزيز القوى الذاتية، بعيدا عن الوصاية المفروضة علية.
ثقافة الهيمنة، مرتبطة في الغالب بحاجة الطرف الاخر، اذ تتوزع تلك الحاجات بين مصالح اقتصادية، وحماية عسكرية، ومناصرة سياسية، فكل عنصر من تلك العناصر، تتطلب ضريبة معينة، بمعنى اخر، فان الضريبة المفروضة على المساعدات الاقتصادية، تختلف عن التنازلات المطلوبة، لتقديم الدعم العسكري، كما تغاير تماما عن قيمة الفاتورة المطلوبة، للمساندة السياسية في المحافل الدولية، كما ان الفترة الزمنية فرض معادلة، في تقييم فاتورة الحماية المقدمة للطرف الضعيف، فالدول الفقيرة مضطرة للتنازل عن جزء من قرارها السياسي، مقابل الحصول على المساعدات الاقتصادية، فيما الدول ذات الموارد الاقتصادية الطبيعية، مجبرة للتنازل على جزء من الثروة الوطنية، لقاء الدعم السياسي، بينما تفقد بعض الدول القرار السياسي والاقتصادي، مقابل الحماية العسكرية.
الاطراف القوية، تحاول اللعب بورقتها الرابحة، لانتزاع اكبر قدر من التنازلات، من الأطراف الضعيفة، فمرة من خلال استخدام النفوذ السياسي، وتارة بواسطة السطوة العسكرية، وأخرى بممارسة الحصار الاقتصادي، فهذه الأساليب تستهدف إبقاء تلك الأطراف، ضمن دائرة النفوذ، ومحاولة افشال جميع المحاولات، للخروج من دائرة الهيمنة، الامر الذي يفسر العقوبات التي تفرض على الأطراف، والتلويح بالخيار العسكري، والحصار السياسي، وغيرها من الأدوات المختلفة، التي تمارسها بعض الأطراف القوية، تجاه العناصر الضعيفة.
سياسة الهيمنة، ليست طارئة او حديثة العهد، فالمجتمعات البشرية عرفتها منذ القدم، فالقوي يتحرك وفق الإمكانيات، التي يمتلكها لفرض ارادته، على الاخرين، فمرة باستخدام السلاح الاقتصادي، وتارة عبر التلويح بالخيار العسكري ”الحرب“ وثالثة بالمقاطعة الاجتماعية، بهدف اجبار الاخرين على تقديم المزيد، من التنازلات التي تتماشى مع الشعور العظمة، وبسط النفوذ، دون الاهتمام بمعاناة الاخرين، او الاثار السلبية الناجمة، عن استخدام كافة الأوراق، التي تهدف الى كسر إرادة المقاومة، لدى الأطراف الضعيفة.
الولايات المتحدة، باعتبارها القوة العظمى حاليا، تمارس مختلف أصناف الابتزاز السياسي، والاقتصادي، والعسكري، تجاه الكثير من الدول، فهي لا تتورع عن تقليم أظافر الدول، التي تحاول الخروج عن فلكها، سواء من خلال الحصار الاقتصادي ”كوبا“، او الضغوط السياسية كما يحصل في الدول في أمريكا اللاتينية، او التحرك العسكري، وتغيير النظام السياسي، ”بنما“ و”العراق“ و”أفغانستان“.